صفحة جزء
[ ص: 633 ] النوع الحادي والثلاثين :

الغريب ، والعزيز : إذا انفرد عن الزهري وشبهه، ممن يجمع حديثه رجل بحديث سمي غريبا ؛ فإن انفرد اثنان أو ثلاثة سمي عزيزا ؛ فإن رواه جماعة سمي مشهورا ، ويدخل في الغريب ما انفرد راو بروايته أو بزيادة في متنه أو إسناده ، ولا يدخل فيه أفراد البلدان وينقسم إلى صحيح وغيره وهو الغالب ، وإلى غريب متنا وإسنادا كما لو انفرد بمتنه واحد ، وغريب إسنادا كحديث روى متنه جماعة من الصحابة انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر ، وفيه يقول الترمذي : غريب من هذا الوجه ، ولا يوجد غريب متنا لا إسنادا إلا إذا اشتهر الفرد ؛ فرواه عن المنفرد كثيرون صار غريبا مشهورا ، غريبا متنا لا إسنادا بالنسبة إلى أحد طرفيه كحديث " إنما الأعمال بالنيات " .


( النوع الحادي والثلاثون : الغريب والعزيز : إذا انفرد عن الزهري وشبهه ممن يجمع حديثه ) من الأئمة كقتادة ( رجل بحديث سمي غريبا فإن انفرد ) عنهم ( اثنان أو ثلاثة سمي عزيزا فإن رواه ) عنهم ( جماعة سمي مشهورا ) ؛ كذا قال ابن الصلاح أخذا من كلام ابن منده .

وأما شيخ الإسلام وغيره ؛ فإنهم خصوا الثلاثة فما فوقها بالمشهور ، والاثنين بالعزيز ، لعزته أي قوته بمجيئه من طريق أخرى ، أو لقلة وجوده .

قال شيخ الإسلام : وقد ادعى ابن حبان أن رواية اثنين عن اثنين لا توجد أصلا ؛ فإن أراد رواية اثنين فقط فيسلم ، وأما صورة العزيز التي جوزها فموجودة ، بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين .

مثاله ما رواه الشيخان من حديث أنس والبخاري من حديث [ ص: 633 ] أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده " الحديث .

ورواه عن أنس : قتادة ، وعبد العزيز بن صهيب ، ورواه عن قتادة : شعبة ، وسعيد ، ورواه عن عبد العزيز : إسماعيل ابن علية ، وعبد الوارث ، ورواه عن كل جماعة .

( ويدخل في الغريب ما انفرد راو بروايته ) ؛ فلم يروه غيره كما تقدم مثاله في قسم الأفراد ، ( أو بزيادة في متنه أو إسناده ) لم يذكرها غيره .

مثالهما : حديث رواه الطبراني في الكبير من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، ومن رواية عباد بن منصور ، فرقهما ، كلاهما عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة بحديث أم زرع ففيه غرابة المتن حيث جعلاه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .

والمحفوظ ما رواه عيسى بن يونس ، عن هشام ، عن أخيه عبد الله بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، هكذا أخرجه الشيخان .

وكذا رواه مسلم أيضا من رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، عن هشام .

( ولا يدخل فيه أفراد البلدان ) التي تقدمت في نوع الأفراد .

( وينقسم ) أي الغريب ( إلى صحيح ) كأفراد الصحيح ، ( و ) إلى ( غيره ) [ ص: 634 ] أي غير الصحيح ( وهو الغالب ) على الغرائب .

قال أحمد بن حنبل : لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير ، وعامتها عن الضعفاء .

وقال مالك : شر العلم الغريب ، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس .

وقال عبد الرزاق : كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر .

وقال ابن المبارك : العلم الذي يجيئك من هاهنا وهاهنا : يعني المشهور ، رواها البيهقي في " المدخل " .

وروي عن الزهري قال : حدثت علي بن الحسن بحديث ، فلما فرغت قال : أحسنت ، بارك الله فيك ، هكذا حدثنا ، قلت : ما أراني إلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني ، قال : لا تقل ذلك ؛ فليس من العلم ما لا يعرف ؛ إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن .

وروى ابن عدي عن أبي يوسف قال : من طلب الدين بالكلام تزندق ، ومن طلب غريب الحديث كذب ، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس .

( و ) ينقسم أيضا ( إلى غريب متنا وإسنادا كما لو انفرد بمتنه ) راو ( واحد ، و ) إلى ( غريب إسنادا ) لا متنا ، ( كحديث ) معروف ( روى متنه جماعة من الصحابة [ ص: 635 ] انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر ، وفيه يقول الترمذي : غريب من هذا الوجه ) .

ومن أمثلته كما قال ابن سيد الناس : حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأعمال بالنية " .

قال الخليلي في الإرشاد : أخطأ فيه عبد المجيد وهو غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه ؛ قال : فهذا مما أخطأ فيه الثقة .

قال ابن سيد الناس : هذا إسناد غريب كله والمتن صحيح .

( ولا يوجد ) حديث ( غريب متنا ) فقط ( لا إسنادا إلا إذا اشتهر الفرد فرواه عن المنفرد كثيرون صار غريبا مشهورا ؛ غريبا متنا لا إسنادا بالنسبة إلى أحد طرفيه ) المشتهر ، وهو الأخير .

( كحديث : " إنما الأعمال بالنيات " ) كما تقدم تحقيقه ، وكسائر الغرائب المشتملة عليها التصانيف المشتهرة .

قال العراقي : وقد أطلق ابن سيد الناس ثبوت هذا القسم من غير تخصيص [ ص: 636 ] له بما ذكر ، ولم يمثله ، فيحتمل أن يريد ما كان إسناده مشهورا جادة لعدة من الأحاديث ، بأن يكونوا مشهورين برواية بعضهم عن بعض ، ويكون المتن غريبا لانفرادهم به .

قال : وقد وقع في كلامه ما يقتضي تمثيله ، وذلك أنه لما حكى قول ابن طاهر : والخامس من الغرائب أسانيد ومتون ، تفرد بها أهل بلد لا توجد إلا من روايتهم ، وسنن ينفرد بالعمل بها أهل مصر ، لا يعمل بها في غير مصرهم .

قال : وهذا النوع يشمل الغريب كله سندا ومتنا ، أو أحدهما دون الآخر .

قال : وقد ذكر ابن أبي حاتم بسند له أن رجلا سأل مالكا عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ؛ فقال له : إن شئت خلل ، وإن شئت لا تخلل ، وكان عبد الله بن وهب حاضرا ، فعجب من جواب مالك ، وذكر له في ذلك حديثا بسند مصري صحيح ، وزعم أنه معروف عندهم ، فاستعاد مالك الحديث ، واستعاد السائل ، فأمره بالتخليل ، انتهى .

قال : والحديث المذكور رواه أبو داود من رواية ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافري ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن المستورد بن شداد .

[ ص: 637 ] قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .

ولم ينفرد به ابن لهيعة بل تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث .

كما رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، عن عمه عبد الله بن وهب ، عن الثلاثة المذكورين .

وصححه ابن القطان لتوثيقه لابن أخي ابن وهب .

فزالت الغرابة عن الإسناد بمتابعة الليث وعمرو لابن لهيعة ، والمتن غريب .

فائدة

قد يكون الحديث أيضا عزيزا مشهورا ، قال الحافظ العلائي فيما رأيته بخطه : حديث " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " الحديث ، عزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه عنه حذيفة بن اليمان ، وأبو هريرة ، وهو مشهور عند أبي هريرة ، رواه عنه سبعة : أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وأبو حازم ، وطاوس ، والأعرج ، وهمام ، وأبو صالح ، وعبد الرحمن مولى أم برثن .

التالي السابق


الخدمات العلمية