صفحة جزء
[ ص: 637 ] النوع الثاني والثلاثون :

غريب الحديث . هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها . وهو فن مهم . والخوض فيه صعب . فليتحر خائضه ، وكان السلف يتثبتون فيه أشد تثبت . وقد أكثر العلماء التصنيف فيه ؛ قيل : أول من صنفه النضر بن شميل ، وقيل أبو عبيدة معمر ، وبعدهما أبو عبيد فاستقصى وأجاد ، ثم ابن قتيبة ما فات أبا عبيد ، ثم الخطابي ، فهذه أمهاته ، ثم بعدها كتب كثيرة فيها زوائد وفوائد كثيرة ، ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة أجلة ، وأجود تفسيره ما جاء مفسرا في رواية .


( النوع الثاني والثلاثون غريب ) ألفاظ ( الحديث هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها ، وهو فن مهم ) يقبح جهله بأهل [ ص: 638 ] الحديث ، ( والخوض فيه صعب ) حقيق بالتحري ، جدير بالتوقي ، ( فليتحر خائضه ) ، وليتق الله أن يقدم على تفسير كلام نبيه صلى الله عليه وسلم بمجرد الظنون ، ( وكان السلف يتثبتون فيه أشد تثبت ) .

فقد روينا عن أحمد أنه سئل عن حرف منه فقال : سلوا أصحاب الغريب ، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن .

وسئل الأصمعي عن معنى حديث : " الجار أحق بسقبه " ؛ فقال : أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق .

( وقد أكثر العلماء التصنيف فيه قيل : أول من صنفه النضر بن شميل ) ؛ قاله الحاكم .

( وقيل أبو عبيدة ) معمر بن المثنى ، ثم النضر ، ثم الأصمعي ، وكتبهما صغيرة قليلة .

( و ) ألف ( بعدهما أبو عبيد ) القاسم بن سلام كتابه المشهور ، ( فاستقصى وأجاد ) وذلك بعد المائتين .

( ثم ) تتبع أبو محمد عبد الله بن مسلم ( بن قتيبة ) الدينوري ( ما فات أبا عبيد ) في كتابه المشهور .

[ ص: 639 ] ( ثم ) تتبع أبو سليمان ( الخطابي ) ما فاتهما في كتابه المشهور ، ونبه على أغاليط لهما ، ( فهذه أمهاته ) أي أصوله .

( ثم ) ألف ( بعدها كتب كثيرة فيها زوائد وفوائد كثيرة ، ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة أجلة ) ، ك " مجمع الغرائب " لعبد الغافر الفارسي ، و " غريب الحديث " لقاسم السرقسطي ، و " الفائق " للزمخشري ، و " الغريبين " للهروي ، وذيله للحافظ أبي موسى المديني ، ثم " النهاية " لابن الأثير ، وهي أحسن كتب الغريب وأجمعها وأشهرها الآن ، وأكثرها تداولا ، وقد فاته الكثير ، فذيل عليه الصفي الأرموي بذيل لم نقف عليه ، وقد شرعت في تلخيصها تلخيصا حسنا مع زيادات جمة ، والله أسأل الإعانة على إتمامها .

( وأجود تفسيره ما جاء مفسرا ) به ( في رواية ) ، كحديث الصحيحين ، في قوله صلى الله عليه وسلم لابن صائد : خبأت لك خبيئا ، فما هو ، قال الدخ .

فالدخ هاهنا الدخان ، وهو لغة فيه ، حكاه الجوهري وغيره ، لما روى أبو داود والترمذي من رواية الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما [ ص: 640 ] في هذا الحديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : إني خبأت لك خبأ ، وخبأ له : يوم تأتي السماء بدخان مبين .

قال المديني : والسر في كونه خبأ له الدخان ، أن عيسى صلى الله عليه وسلم يقتله بجبل الدخان ؛ فهذا هو الصواب في تفسير الدخ هنا ، وقد فسره غير واحد على غير ذلك فأخطئوا .

فقيل : الجماع وهو تخليط فاحش .

وقيل : نبت موجود في النخيل ، وهو غير مرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية