صفحة جزء
[ ص: 667 ] فروع :

أحدها اختلف في حد الصحابي ؛ فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعن أصحاب الأصول أو بعضهم أنه من طالت مجالسته على طريق التبع . وعن سعيد بن المسيب أنه لا يعد صحابيا إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أو غزوتين ؛ فإن صح عنه فضعيف ؛ فإن مقتضاه أن لا يعد جرير البجلي وشبهه صحابيا ، ولا خلاف أنهم صحابة . ثم تعرف صحبته بالتواتر والاستفاضة ، أو قول صحابي أو قوله إذا كان عدلا .


[ ص: 667 ] فروع

( أحدها ، اختلف في حد الصحابي ، فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، كذا قال ابن الصلاح ، ونقله عن البخاري وغيره .

وأورد عليه ، إن كان فاعل الرؤية الرائي الأعمى كابن أم مكتوم ونحوه فهو صحابي بلا خلاف ولا رؤية له .

ومن رآه كافرا ثم أسلم بعد موته كرسول قيصر فلا صحبة له .

ومن رآه بعد موته صلى الله عليه وسلم قبل الدفن ، وقد وقع ذلك لأبي ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي ؛ فإنه لا صحبة له .

وإن كان فاعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فيه جميع الأمة ؛ فإنه كشف له عنهم ليلة الإسراء وغيرها ، ورآهم .

وأورد عليه أيضا ، من صحبه ثم ارتد ، كابن خطل ونحوه .

فالأولى أن يقال : من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ومات على إسلامه .

أما من ارتد بعده ثم أسلم ومات مسلما ؛ فقال العراقي : في دخوله فيهم نظر ، فقد نص الشافعي وأبو حنيفة على أن الردة محبطة للعمل .

قال : والظاهر أنها محبطة للصحبة السابقة ، كقرة بن هبيرة ، والأشعث بن [ ص: 668 ] قيس ، أما من رجع إلى الإسلام في حياته كعبد الله بن أبي سرح ، فلا مانع من دخوله في الصحبة ، وجزم شيخ الإسلام في هذا والذي قبله ببقاء اسم الصحبة له .

قال : وهل يشترط لقيه في حال النبوة أو أعم من ذلك ، حتى يدخل من رآه قبلها ومات على الحنيفية ؛ كزيد بن عمرو بن نفيل ، وقد عده ابن منده في الصحابة ، وكذا لو رآه قبلها ، ثم أدرك البعثة وأسلم ولم يره .

قال العراقي : ولم أر من تعرض لذلك .

قال : ويدل على اعتبار الرؤية بعد النبوة ذكرهم في الصحابة ولده إبراهيم دون من مات قبلها ، كالقاسم .

قال : وهل يشترط في الرؤى التمييز ، حتى لا يدخل من رآه وهو لا يعقل ، والأطفال الذين حنكهم ولم يروه بعد التمييز أو لا يشترط ؟ لم يذكروه أيضا ؛ إلا أن العلائي قال في المراسيل : عبد الله بن الحارث بن نوفل حنكه النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعا له ولا صحبة له ، بل ولا رؤية أيضا ، وكذا قال في عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ، حنكه ودعا له ، ولا تعرف له رؤية بل هو تابعي .

وقال في النكت ظاهر كلام الأئمة ابن معين ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، وغيرهم اشتراطه ، فإنهم لم يثبتوا الصحبة لأطفال حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مسح وجوههم ، أو تفل في أفواههم ، كمحمد بن حاطب ، وعبد الرحمن بن عثمان [ ص: 669 ] التيمي ، وعبيد الله بن معمر ، ونحوهم .

قال : ولا يشترط البلوغ على الصحيح ، وإلا لخرج من أجمع على عده في الصحابة ، كالحسن ، والحسين ، وابن الزبير ، ونحوهم .

قال : والظاهر اشتراط رؤيته في عالم الشهادة ؛ فلا يطلق اسم الصحبة على من رآه من الملائكة والنبيين .

قال : وقد استشكل ابن الأثير مؤمني الجن في الصحابة دون من رآه من الملائكة ، وهم أولى بالذكر من هؤلاء .

قال : وليس كما زعم ، لأن الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة والبعثة ؛ فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسنا ؛ بخلاف الملائكة .

قال : وإذا نزل عيسى صلى الله عليه وسلم وحكم بشرعه فهل يطلق عليه اسم الصحبة ، لأنه ثبت أنه رآه في الأرض ؟ الظاهر نعم ، انتهى .

( وعن أصحاب الأصول أو بعضهم أنه من طالت مجالسته ) له ( على طريق التبع ) له ، والأخذ عنه ، بخلاف من وفد عليه وانصرف بلا مصاحبة ولا متابعة ؛ قالوا : وذلك معنى الصحابي لغة .

ورد بإجماع أهل اللغة على أنه مشتق من الصحبة ، لا من قدر منها مخصوص ، وذلك يطلق على كل من صحب غيره قليلا كان أو كثيرا ، يقال : صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة .

[ ص: 670 ] وقول المصنف ( أو بعضهم ) من زيادته ؛ لأن كثيرا منهم موافقون لما تقدم نقله عن أهل الحديث ، وصححه الآمدي وابن الحاجب ، وعن بعض أهل الحديث موافقة ما ذكر عن أهل الأصول : لما رواه ابن سعد بسند جيد في " الطبقات " عن علي بن محمد ، عن شعبة ، عن موسى السيلاني قال : أتيت أنس بن مالك فقلت له : أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قد بقي قوم من الأعراب فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي .

قال العراقي : والجواب : أنه أراد إثبات صحبة خاصة ليست لأولئك .

( وعن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد صحابيا إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين ، أو غزا معه غزوة أو غزوتين ) .

ووجهه : أن لصحبته صلى الله عليه وسلم شرفا عظيما ، فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص ؛ كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب ، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف بها المزاج .

( فإن صح ) هذا القول ( عنه فضعيف ، فإن كان مقتضاه أن لا يعد جرير ) بن عبد الله ( البجلي ، وشبهه ) ممن فقد ما اشترطه كوائل بن حجر ( صحابيا ، ولا خلاف أنهم صحابة ) .

[ ص: 671 ] قال العراقي : ولا يصح هذا عن ابن المسيب ؛ ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث .

قال : وقد اعترض بأن جريرا أسلم في أول البعثة ، لما روى الطبراني عنه قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته لأبايعه ؛ فقال : لأي شيء جئت يا جرير ؟ قال : جئت لأسلم على يديك ، فدعاني إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤتي الزكاة المفروضة الحديث .

قال : والجواب أن الحديث غير صحيح ؛ فإنه من رواية الحصين بن عمر الأحمسي ، وهو منكر الحديث ، ولو ثبت فلا دليل فيه ، لأنه يلزم الفورية في جواب ( لما ) ، بدليل ذكر الصلاة والزكاة ، وفرضهما متراخ عن البعثة .

والصواب ما ثبت عنه أنه قال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة ، رواه أبو داود وغيره ، وفي تاريخ البخاري الكبير : أنه أسلم عام توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا قال الواقدي ، وابن حبان ، والخطيب ، وغيرهم .

فائدة

في حد الصحابي قول رابع : أنه من طالت صحبته وروى عنه ؛ قاله الحافظ .

[ ص: 672 ] وخامس : أنه من رآه بالغا ، حكاه الواقدي وهو شاذ كما تقدم .

وسادس : أنه من أدرك زمنه صلى الله عليه وسلم وهو مسلم ، وإن لم يره ؛ قاله يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، وعد من ذلك عبد الله بن مالك الجيشاني أبا تميم ، ولم يرحل إلى المدينة إلا في خلافة عمر باتفاق أهل السير ، وممن حكى هذا القول القرافي في شرح التنقيح .

وكذا من حكم بإسلامه تبعا لأبويه ، وعليه عمل ابن عبد البر وابن منده في كتابيهما .

وشرط الماوردي في الصحابي أن يتخصص بالرسول ويتخصص به الرسول صلى الله عليه وسلم .

( ثم تعرف صحبته ) إما ( بالتواتر ) كأبي بكر ، وعمر ، وبقية العشرة في خلق منهم .

( والاستفاضة ) والشهرة القاصرة عن التواتر ، كضمام بن ثعلبة ، وعكاشة بن محصن .

( أو قول صحابي ) عنه أنه صحابي ، كحممة بن أبي حممة الدوسي الذي مات بأصبهان مبطونا ؛ فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حكم له بالشهادة ، ذكر ذلك أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " ، وروينا قصته في مسند الطيالسي ، ومعجم الطبراني .

[ ص: 673 ] وزاد شيخ الإسلام ابن حجر بعد هذا : أن يخبر آحاد التابعين بأنه صحابي ، بناء على قبول التزكية من واحد ، وهو الراجح .

( أو قوله ) هو : أنا صحابي ( إذا كان عدلا ) إذا أمكن ذلك ؛ فإن ادعاه بعد مائة سنة من وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل وإن ثبتت عدالته قبل ذلك .

لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنه على رأس مائة سنة لم يبق أحد على ظهر الأرض .

يريد انخرام ذلك القرن ، قال ذلك سنة وفاته صلى الله عليه وسلم .

وشرط الأصوليون في قبوله أن تعرف معاصرته له ، وفي أصل المسألة احتمال أنه لا يصدق ؛ لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه ، وبهذا جزم الآمدي ، ورجحه أبو الحسن بن القطان .

فائدة

قال الذهبي في " الميزان " : رتن الهندي ، وما أدراك ما رتن ، شيخ دجال بلا ريب ، ظهر بعد الستمائة ، فادعى الصحبة والصحابة لا يكذبون ، وهذا جريء على [ ص: 674 ] الله ورسوله ، وقد ألفت في أمره جزءا .

التالي السابق


الخدمات العلمية