صفحة جزء
[ ص: 675 ] الثاني : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به .

وأكثرهم حديثا أبو هريرة ، ثم ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وعائشة . وأكثرهم فتيا تروى : ابن عباس . وعن مسروق قال : انتهى علم الصحابة إلى ستة : عمر وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء وابن مسعود ، ثم انتهى علم الستة إلى علي وعبد الله .

ومن الصحابة العبادلة وهم : ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وابن عمرو بن العاص ؛ وليس ابن مسعود منهم ؛ وكذا سائر من يسمى عبد الله ، وهم نحو مائتين وعشرين . قال أبو زرعة الرازي : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه .

واختلف في عدد طبقاتهم ، وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة .


( الثاني : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به ) .

قال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية ، أي عدولا .

وقال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس ، والخطاب فيها للموجودين حينئذ .

وقال صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، رواه الشيخان .

قال إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم : أنهم حملة الشريعة ؛ فلو ثبت توقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصره صلى الله عليه وسلم ، ولما استرسلت على سائر الأعصار .

وقيل : يجب البحث عن عدالتهم مطلقا .

وقيل : بعد وقوع الفتن .

وقالت المعتزلة : عدول إلا من قاتل عليا .

وقيل : إذا انفرد .

وقيل : إلا المقاتل والمقاتل .

[ ص: 675 ] وهذا كله ليس بصواب ، إحسانا للظن بهم ، وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد المأجور فيه كل منهم .

وقال المازري في شرح البرهان : لسنا نعني بقولنا : " الصحابة عدول " كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره لماما ، أو اجتمع به لغرض وانصرف ، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه .

قال العلائي : وهذا قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة ، كوائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وعثمان بن أبي العاص وغيرهم ، ممن وفد عليه صلى الله عليه وسلم ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف ، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد ، ومن لم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل ، والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور وهو المعتبر .

( وأكثرهم حديثا أبو هريرة ) روى خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا .

اتفق الشيخان منها على ثلاثمائة وخمسة وعشرين ، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين ، ومسلم بمائة وتسعة وثمانين .

[ ص: 676 ] وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل ، وهو أحفظ الصحابة .

قال الشافعي : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ، أسنده البيهقي في " المدخل " .

وكان ابن عمر يترحم عليه في جنازته ويقول : كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن سعد .

وفي الصحيح عنه قال : " قلت : يا رسول الله إني أسمع منك حديثا أنساه ، قال : ابسط رداءك فبسطته . فغرف بيديه ثم قال : ضمه ، فما نسيت شيئا بعد " .

وفي " المستدرك " عن زيد بن ثابت قال : كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : ادعوا فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم دعا أبو هريرة فقال : " اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى " ؛ فأمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : ونحن يا رسول الله كذلك ، فقال : سبقكما الغلام الدوسي .

( ثم ) عبد الله ( ابن عمر ) روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين حديثا .

( وابن عباس ) روى ألفا وستمائة وستين حديثا .

[ ص: 677 ] ( وجابر بن عبد الله ) روى ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا .

( وأنس بن مالك ) روى ألفين ومائتين وستا وثمانين حديثا .

( وعائشة ) أم المؤمنين روت ألفين ومائتين وعشرة .

وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف غير هؤلاء إلا أبا سعيد الخدري ؛ فإنه روى ألفا ومائة وسبعين حديثا .

فائدة

السبب في قلة ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مع تقديمه وسبقه وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الحديث ، واعتناء الناس بسماعه وتحصيله وحفظه ، ذكره المصنف في تهذيبه .

قال : وجملة ما روي له مائة حديث واثنان وأربعون حديثا .

( وأكثرهم فتيا تروى ) عنه ( ابن عباس ) ؛ قاله أحمد بن حنبل .

( وعن مسروق ) أنه ( قال : انتهى علم الصحابة إلى ستة : عمر ، وعلي ، [ ص: 678 ] وأبي ) ابن كعب ، ( وزيد ) ابن ثابت ، ( وأبي الدرداء ، وابن مسعود ، ثم انتهى علم الستة إلى علي وعبد الله ) ابن مسعود .

وروى الشعبي عنه نحوه أيضا إلا أنه ذكر أبا موسى الأشعري بدل أبي الدرداء .

وقد استشكل بأن أبا موسى وزيد بن ثابت تأخرت وفاتهما عن ابن مسعود وعلي ؛ فكيف انتهى علم الستة إلى ابن مسعود وعلي ؟ .

قال العراقي : وقد يجاب بأن المراد ضما علمهم إلى علمهما ، وإن تأخرت وفاة من ذكر .

وقال الشعبي : كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علم بعضهم بعضا ، وكان يقتبس بعضهم من بعض ، وكان علي والأشعري وأبي يشبه علم بعضهم بعضا ، وكان يقتبس بعضهم من بعض .

وقال ابن حزم : أكثر الصحابة فتوى مطلقا سبعة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة .

قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم .

قال : ويليهم عشرون : أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمران بن [ ص: 679 ] حصين ، وأبو بكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وأم سلمة .

قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير .

قال : وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا يقلون في الفتيا جدا ، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث ، كأبي بن كعب ، وأبي الدرداء ، وأبي طلحة ، والمقداد ، وسرد الباقين .

( ومن الصحابة العبادلة ، وهم ) أربعة ، عبد الله ( ابن عمر ) بن الخطاب ، ( و ) عبد الله ( ابن عباس ، و ) عبد الله ( ابن الزبير ، و ) عبد الله ( ابن عمرو بن العاص ، وليس ابن مسعود منهم ) قاله أحمد بن حنبل .

قال البيهقي : لأنه تقدم موته ، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم ؛ فإذا اجتمعوا على شيء فقيل : هذا قول العبادلة .

وقيل : هم ثلاثة بإسقاط ابن الزبير ، وعليه اقتصر الجوهري في الصحاح .

وأما ما حكاه المصنف في تهذيبه عنه : أنه ذكر ابن مسعود ، وأسقط ابن العاص فوهم .

نعم وقع للرافعي في الديات ، وللزمخشري في المفصل ، أن العبادلة : ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وغلطا في ذلك من حيث الاصطلاح .

( وكذا سائر من يسمى عبد الله ) من الصحابة لا يطلق عليهم العبادلة ( وهم [ ص: 680 ] نحو مائتين وعشرين ) نفسا ، كذا قال ابن الصلاح أخذا من الاستيعاب ، وزاد عليه ابن فتحون جماعة يبلغون بهم نحو ثلاثمائة رجل .

( قال أبو زرعة الرازي ) في جواب من قال له : أليس يقال حديث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث ؟

[ قال ] : ومن قال ذا ، قلقل الله أنيابه ، هذا قول الزنادقة ، ومن يحصي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، ( قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه ) فقيل له : هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا ؟ قال : أهل المدينة ، وأهل مكة ، ومن بينهما ، والأعراب ، ومن شهد معه حجة الوداع ، كل رآه وسمع منه بعرفة .

قال العراقي : وهذا القول عن أبي زرعة لم أقف له على إسناد ، ولا هو في كتب التواريخ المشهورة ؛ وإنما ذكره أبو موسى المديني في ذيله بغير إسناد .

قلت : أخرجه الخطيب بإسناده ، قال : حدثني أبو القاسم الأزهري ، ثنا عبد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري ، ثنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر ، ثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال ، ثنا محمد بن أحمد بن جامع الرازي ، سمعت أبا زرعة وقال له رجل : أليس يقال ، فذكره بلفظه .

قال العراقي : وقريب منه ما أسنده المديني عنه قال : توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه [ ص: 681 ] وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، وهذا لا تحديد فيه ، وكيف يمكن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى ، وقد روى البخاري في صحيحه أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن تبوك : وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعني الديوان .

قال العراقي : روى الساجي في المناقب بسند جيد عن الشافعي قال : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ستون ألفا ، ثلاثون ألفا بالمدينة ، وثلاثون ألفا في قبائل العرب ، وغير ذلك .

قال : ومع هذا فجميع من صنف في الصحابة لم يبلغ مجموع ما في تصانيفهم عشرة آلاف ، مع كونهم يذكرون من توفي في حياته صلى الله عليه وسلم ومن عاصره ، أو أدركه صغيرا .

( واختلف في عدد طبقاتهم ) باعتبار السبق إلى الإسلام ، أو الهجرة ، أو شهود المشاهد الفاضلة ؛ فجعلهم ابن سعد خمس طبقات ، ( وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة ) :

الأولى : قوم أسلموا بمكة كالخلفاء الأربعة .

الثانية : أصحاب دار الندوة .

الثالثة : مهاجرة الحبشة .

[ ص: 682 ] الرابعة : أصحاب العقبة الأولى .

الخامسة : أصحاب العقبة الثانية ، وأكثرهم من الأنصار .

السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا إليه بقباء قبل أن يدخل المدينة .

السابعة : أهل بدر .

الثامنة : الذين هاجروا بين بدر والحديبية . التاسعة : أهل بيعة الرضوان .

العاشرة : من هاجر بين الحديبية وفتح مكة ؛ كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص .

الحادية عشرة : مسلمة الفتح .

الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوه يوم الفتح في حجة الوداع وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية