صفحة جزء
[ ص: 101 ] واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد .


[ ص: 101 ] ولهذا أشار المصنف حيث قال من زيادته على ابن الصلاح : ( واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد ) بأسانيده المتعددة ، وألفاظه المختلفة فسهل تناوله ، بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب ، بسبب استنباطه الأحكام منها ، وأورد كثيرا منها في مظنته .

قال شيخ الإسلام : ولهذا نرى كثيرا ممن صنف الأحكام من المغاربة يعتمد على كتاب مسلم في سياق المتون دون البخاري لتقطيعه لها .

قال : وإذا امتاز مسلم بهذا فللبخاري في مقابلته من الفضل ما ضمنه في أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار ، وما ذكره الإمام أبو محمد بن أبي جمرة عن بعض السادة قال : ما قرئ صحيح البخاري في شدة إلا فرجت ، ولا ركب به في مركب فغرق .

[ فوائد ]

الأولى : قال ابن الملقن : رأيت بعض المتأخرين قال : إن الكتابين سواء فهذا قول ثالث ، وحكاه الطوفي في شرح الأربعين ومال إليه القرطبي .

الثانية : قدم المصنف هذه المسألة وأخر مسألة إمكان التصحيح في هذه الأعصار ، عكس ما صنع ابن الصلاح لمناسبة حسنة ، وذلك أنه لما كان الكلام في الصحيح ناسب أن يذكر الأصح ، فبدأ بأصح الأسانيد ، ثم انتقل إلى أخص منه ، وهو أصح الكتب .



الثالثة : ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام : [ ص: 102 ] الأول : ما رواه الحفاظ المتقنون .

والثاني : ما رواه المستورون والمتوسطون في الحفظ والإتقان .

والثالث : ما رواه الضعفاء والمتروكون . وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه . فاختلف العلماء في مراده بذلك : فقال الحاكم والبيهقي : إن المنية اخترمت مسلما قبل إخراج القسم الثاني وأنه إنما ذكر القسم الأول .

قال القاضي عياض : وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم وتابعوه عليه .

قال : وليس الأمر كذلك ، بل ذكر حديث الطبقة الأولى وأتى بحديث الثانية على طريق المتابعة والاستشهاد ، أو حيث لم يجد في الباب من حديث الأولى شيئا ، وأتى بأحاديث طبقة ثالثة ، وهم أقوام تكلم فيهم أقوام وزكاهم آخرون ، ممن ضعف أو اتهم ببدعة ، وطرح الرابعة كما نص عليه .

قال : والحاكم تأول أن مراده أن يفرد لكل طبقة كتابا ، ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة ، وليس ذلك مراده .

قال : وكذلك علل الأحاديث التي ذكر أنه يأتي بها قد وفى بها في مواضعها من الأبواب ، من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والزيادة والنقص وتصاحيف المصحفين .

[ ص: 103 ] قال : ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم : إن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات ، أحدها هذا الذي قرأه على الناس ، والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق وأمثالهما ، والثالث يدخل فيه من الضعفاء ، فإن ذلك لا يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكره مسلم في صدر كتابه . اهـ .

قال المصنف : وما قاله عياض ظاهر جدا .

الرابعة : قال ابن الصلاح : قد عيب على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح ، وجوابه من وجوه : أحدها أن ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ، الثاني : أن ذلك واقع في المتابعات والشواهد لا في الأصول ، فيذكر الحديث أولا بإسناد نظيف ويجعله أصلا ، ثم يتبعه بإسناد أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد والمبالغة ، والزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه .

الثالث : أن يكون ضعف الضعيف الذي اعتد به طرأ بعد أخذه عنه ، باختلاط : كأحمد بن عبد الرحمن ابن أخي عبد الله بن وهب ، اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر .

الرابع : أن يعلو بالضعيف إسناده ، وهو عنده من رواية الثقات نازل ، فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه ، مكتفيا بمعرفة أهل الشأن ذلك ، فقد روينا [ ص: 104 ] أن أبا زرعة أنكر عليه روايته عن أسباط بن نصر ، وقطن ، وأحمد بن عيسى المصري ، فقال : إنما أدخلت من حديثهم ما رواه الثقات عن شيوخهم ، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منه بنزول فأقتصر على ذلك ، ولامه أيضا على التخريج عن سويد ، فقال : من أين كنت آتي بنسخة حفص عن ميسرة بعلو ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية