صفحة جزء
[ ص: 111 ] ثم إن الزيادة في الصحيح تعرف من السنن المعتمدة : كسنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن خزيمة ، والدارقطني ، والحاكم ، والبيهقي ، وغيرها منصوصا على صحته ، ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح . واعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما ، وهو متساهل ، فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه ، ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان .


( ثم إن الزيادة في الصحيح ) عليهما ( تعرف من ) كتب ( السنن المعتمدة كسنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ) وابن خزيمة ، والدارقطني ، والحاكم ، والبيهقي [ ص: 112 ] وغيرها منصوصا على صحته ) فيها ( ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح ) كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات .

قال العراقي : وكذا لو نص على صحته أحد منهم ، ونقل عنه ذلك بإسناد صحيح كما في سؤالات أحمد بن حنبل ، وسؤالات ابن معين وغيرهما .

قال : وإنما أهمله ابن الصلاح بناء على اختياره أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار ، فلا يكفي وجود التصحيح بإسناد صحيح ، كما لا يكفي وجود أصل الحديث بإسناد صحيح .

واعتنى الحافظ أبو عبد الله ( الحاكم ) في المستدرك ( بضبط الزائد عليهما ) مما هو على شرطهما أو شرط أحدهما ، أو صحيح ، وإن لم يوجد شرط أحدهما ، معبرا عن الأول بقوله : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، أو على شرط البخاري أو مسلم ، وعن الثاني بقوله : هذا حديث صحيح الإسناد ، وربما أورد فيه ما هو في الصحيحين ، وربما أورد فيه ما لم يصح عنده منبها على ذلك ، ( وهو متساهل ) في التصحيح .



قال المصنف في شرح المهذب : اتفق الحفاظ على أن تلميذه البيهقي أشد تحريا منه ، وقد لخص الذهبي مستدركه ، وتعقب كثيرا منه بالضعف والنكارة ، وجمع جزءا فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة ، فذكر نحو مائة حديث .

[ ص: 113 ] وقال أبو سعيد الماليني : طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه حديثا على شرطهما . قال الذهبي : وهذا إسراف وغلو من الماليني ، وإلا ففيه جملة وافرة على شرطهما ، وجملة كثيرة على شرط أحدهما ، لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب ، وفيه نحو الربع مما صح سنده ، وفيه بعض الشيء ، أو له علة ، وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير أو واهيات لا تصح ، وفي بعض ذلك موضوعات .

قال شيخ الإسلام : وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سود الكتاب لينقحه فأعجلته المنية ، قال : وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك : إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ، قال : وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة ، فمن أكبر أصحابه وأكثر الناس له ملازمةالبيهقي ، وهو إذا ساق عنه من غير المملى شيئا لا يذكره إلا بالإجازة ، قال : والتساهل في القدر المملى قليل جدا بالنسبة إلى ما بعده .

( فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن ، إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه ) .

قال البدر بن جماعة : والصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف .

[ ص: 114 ] ووافقه العراقي وقال : ( إن حكمه عليه بالحسن فقط تحكم ) ، قال : إلا أن ابن الصلاح قال ذلك بناء على رأيه : أنه قد انقطع التصحيح في هذه الأعصار ، فليس لأحد أن يصححه ؛ فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه .

والعجب من المصنف كيف وافقه هنا مع مخالفته له في المسألة المبني عليها كما سيأتي ، وقوله فما صححه ، احتراز مما خرجه في الكتاب ولم يصرح بتصحيحه فلا يعتمد عليه .

( ويقاربه ) أي صحيح الحاكم ( في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان ) قيل : إن هذا يفهم ترجيح كتاب الحاكم عليه ، والواقع خلاف ذلك ، قال العراقي : وليس كذلك ، وإنما المراد أنه يقاربه في التساهل ، فالحاكم أشد تساهلا منه ؛ قال الحازمي : ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم .

قيل : وما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح ؛ فإن غايته أنه يسمي الحسن صحيحا ، فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهي مشاحة في الاصطلاح ، وإن كانت باعتبار خفة شروطه ، فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقة غير مدلس ، سمع من شيخه وسمع منه الآخذ عنه ، ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع ، وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي [ ص: 115 ] عنه ثقة ، ولم يأت بحديث منكر فهو عنده ثقة .

وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله ، ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حاله ، ولا اعتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك ، وهذا دون شرط الحاكم ، حيث شرط أن يخرج عن رواة خرج لمثلهم الشيخان في الصحيح ، فالحاصل : أن ابن حبان وفى بالتزام شروطه ، ولم يوف الحاكم .

[ فوائد ]

الأولى : صحيح ابن حبان ، ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد ؛ ولهذا سماه : " التقاسيم والأنواع " وسببه أنه كان عارفا بالكلام والنحو والفلسفة ؛ ولهذا تكلم فيه ونسب إلى الزندقة ، وكادوا يحكمون بقتله ، ثم نفي من سجستان إلى سمرقند ، والكشف من كتابه عسر جدا ، وقد رتبه بعض المتأخرين على أبواب ، وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافا وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زوائده على الصحيحين في مجلد .

الثانية : صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان ، لشدة تحريه ، حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد ، فيقول : إن صح الخبر ، أو إن ثبت كذا ونحو ذلك ، ومما صنف في الصحيح أيضا - غير المستخرجات الآتي ذكرها - السنن الصحاح لسعيد بن السكن .

الثالثة : صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على كل كتاب من الجوامع والمسانيد ، فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم ، وهو روايات كثيرة ، وأكبرها رواية القعنبي .

[ ص: 116 ] وقال العلائي : روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص ، ومن أكبرها وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب ، قال ابن حزم : في موطأ أبي مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث .

وأما ابن حزم فإنه قال : أولى الكتب الصحيحان ، ثم صحيح ابن السكن ، والمنتقى لابن الجارود ، والمنتقى لقاسم بن أصبغ ، ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود ، وكتاب النسائي ، ومصنف قاسم بن أصبغ ، ومصنف الطحاوي ، ومسانيد أحمد والبزار وابني أبي شيبة أبي بكر وعثمان ، وابن راهويه والطيالسي والحسن بن سفيان والمسندي ، وابن سنجر ، ويعقوب بن شيبة ، وعلي بن المديني ، وابن أبي غرزة وما جرى مجراها التي أفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفا .

ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره ، ثم ما كان فيه الصحيح فهو أجل ، مثل مصنف عبد الرزاق ، ومصنف ابن أبي شيبة ، ومصنف بقي بن مخلد ، وكتاب محمد بن نصر المروزي ، وكتاب ابن المنذر ، ثم مصنف حماد بن سلمة ، ومصنف سعيد بن منصور ، ومصنف وكيع ، ومصنف الفريابي ، وموطأ مالك ، وموطأ ابن أبي ذئب ، وموطأ ابن وهب ، ومسائل ابن حنبل ، وفقه أبي عبيد ، وفقه أبي ثور ، وما كان من هذا النمط مشهورا كحديث شعبة وسفيان والليث والأوزاعي والحميدي وابن مهدي ومسدد وما جرى مجراها ، فهذه طبقة موطأ مالك ، بعضها أجمع للصحيح منه ، وبعضها مثله وبعضها دونه .

[ ص: 117 ] ولقد أحصيت ما في حديث شعبة من الصحيح فوجدته ثمانمائة حديث ونيفا مسندة ومرسلا يزيد على المائتين ، وأحصيت ما في موطأ مالك ، وما في حديث سفيان بن عيينة فوجدت في كل واحد منهما من المسند خمسمائة ونيفا مسندا وثلاثمائة ونيفا مرسلا ، وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها ، وفيها أحاديث ضعيفة وهاها جمهور العلماء ، انتهى ملخصا من كتابه مراتب الديانة .

التالي السابق


الخدمات العلمية