صفحة جزء
[ ص: 117 ] الثالثة : الكتب المخرجة على الصحيحين .

لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى ، وكذا ما رواه البيهقي ، والبغوي وشبههما قائلين : رواه البخاري أو مسلم ، وقع في بعضه تفاوت في المعنى ، فمرادهم أنهما رويا أصله فلا يجوز أن تنقل منها حديثا وتقول : هو كذا فيهما إلا أن تقابله بهما ، أو يقول المصنف : أخرجاه بلفظه بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما .


( الثالثة ) من مسائل الصحيح ( الكتب المخرجة على الصحيحين ) كالمستخرج للإسماعيلي ، وللبرقاني ولأبي أحمد الغطريفي ، ولأبي عبد الله بن أبي ذهل ولأبي بكر بن مردويه على البخاري ، ولأبي عوانة الإسفراييني ، ولأبي جعفر بن حمدان ، ولأبي بكر محمد بن رجاء النيسابوري ، ولأبي بكر الجوزقي ، ولأبي حامد الشاركي ، ولأبي الوليد حسان بن محمد القرشي ، ولأبي عمران موسى بن العباس الجويني ، ولأبي النصر الطوسي ، ولأبي سعيد بن أبي عثمان الحيري على مسلم ، ولأبي نعيم الأصبهاني ، وأبي عبد الله بن الأخرم ، وأبي ذر الهروي ، وأبي محمد الخلال ، وأبي علي الماسرجي ، وأبي مسعود سليمان بن إبراهيم الأصبهاني ، وأبي بكر اليزدي على كل منهما ، ولأبي بكر بن عبدان الشيرازي عليهما في مؤلف واحد .

وموضوع المستخرج كما قال العراقي : أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديث بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب ؛ فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه .

قال شيخ الإسلام : وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة .

[ ص: 118 ] قال : ولذلك يقول أبو عوانة في مستخرجه على مسلم بعد أن يسوق طرق مسلم كلها : من هنا أخرجه ، ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع مسلم فيمن فوق ذلك ، وربما قال : من هنا لم يخرجاه ، قال : ولا يظن أنه يعني البخاري ومسلما ، فإني استقريت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلما ، وأبا الفضل أحمد بن سلمة ، فإنه كان قرين مسلم ، وصنف مثل مسلم ، وربما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد له بها سندا يرتضيه ، وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب .

ثم إن المستخرجات المذكورة ( لم يلتزم فيها موافقتهما ) أي الصحيحين ( في الألفاظ ) لأنهم إنما يروون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم ( فحصل فيها تفاوت ) قليل ( في اللفظ ) و ( في المعنى ) أقل .

( وكذا ما رواه البيهقي ) في السنن والمعرفة وغيرهما ( والبغوي ) في شرح السنة ( وشبههما قائلين رواه البخاري أو مسلم ، وقع في بعضه ) أيضا ( تفاوت في المعنى ) وفي الألفاظ .

( فمرادهم ) بقولهم ذلك ( أنهما رويا أصله ) أي أصل الحديث دون اللفظ الذي أوردوه ، وحينئذ ( فلا يجوز ) لك ( أن تنقل منها ) أي من الكتب المذكورة من المستخرجات وما ذكر ( حديثا وتقول ) فيه ( هو كذا فيهما ) أي [ ص: 119 ] الصحيحين ( إلا أن تقابله بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه ، بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما ) من غير زيادة ولا تغيير فلك أن تنقل منها ، وتعزو ذلك للصحيح ولو باللفظ .

وكذا الجمع بين الصحيحين لعبد الحق ، أما الجمع لأبي عبد الله الحميدي الأندلسي ففيه زيادة ألفاظ ، وتتمات على الصحيحين بلا تمييز . قال ابن الصلاح : وذلك موجود فيه كثيرا ، فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيح أو أحدهما وهو مخطئ ، لكونه زيادة ليست فيه .

قال العراقي : وهذا مما أنكر على الحميدي لأنه جمع بين كتابين ، فمن أين تأتي الزيادة ؟

قال : واقتضى كلام ابن الصلاح أن الزيادات التي تقع في كتاب الحميدي لها حكم الصحيح ، وليس كذلك ؛ لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ، ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا واشترط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك .

قلت : هذا الذي نقله عن ابن الصلاح وقع له في الفائدة الرابعة ، فإنه قال : ويكفي وجوده في كتاب من اشترط الصحيح ، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح ، وكثير من هذا موجود في الجمع للحميدي . انتهى .

[ ص: 120 ] وهذا الكلام قابل للتأويل فتأمل .

ثم رأيت عن شيخ الإسلام قال : قد أشار الحميدي إجمالا وتفصيلا إلى ما يبطل ما اعترض به عليه ، أما إجمالا فقال في خطبة الجمع : وربما زدت زيادات من تتمات وشرح لبعض ألفاظ الحديث ونحو ذلك ، وقفت عليها في كتب من اعتنى بالصحيح كالإسماعيلي والبرقاني .

وأما تفصيلا فعلى قسمين : جلي وخفي ، أما الجلي فيسوق الحديث ثم يقول في أثنائه : إلى هنا انتهت رواية البخاري ، ومن هنا زيادة البرقاني ، وأما الخفي فإنه يسوق الحديث كاملا أصلا وزيادة ، ثم يقول : أما من أوله إلى موضع كذا ، فرواه فلان وما عداه زاده فلان ، أو يقول : لفظة كذا زادها فلان ونحو ذلك ، وإلى هذا أشار ابن الصلاح بقوله : فربما نقل من لا يميز ، وحينئذ فلزيادته حكم الصحة لنقله لها عمن اعتنى بالصحيح .

مهمة

ما تقدم عن البيهقي ونحوه من عزو الحديث إلى الصحيح والمراد أصله ، لا شك أن الأحسن خلافه ، والاعتناء بالبيان حذرا من إيقاع من لا يعرف الاصطلاح في اللبس ، ولابن دقيق العيد في ذلك تفصيل حسن وهو : أنك إذا كنت في مقام الرواية فلك العزو ولو خالف ؛ لأنه عرف أن أجل قصد المحدث السند والعثور على أصل [ ص: 121 ] الحديث ، دون ما إذا كنت في مقام الاحتجاج فمن روى في المعاجم والمشيخات ونحوها فلا حرج عليه في الإطلاق ، بخلاف من أورد ذلك في الكتب المبوبة ، لا سيما إن كان الصالح للترجمة قطعة زائدة على ما في الصحيح .



التالي السابق


الخدمات العلمية