صفحة جزء
[ ص: 163 ] ومن أراد العمل من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة ، فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه .


( ومن أراد العمل ) أو الاحتجاج ( بحديث من كتاب ) من الكتب المعتمدة ، وقال ابن الصلاح : حيث ساغ له ذلك ( فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة ) .

قال ابن الصلاح : ليحصل له بذلك - مع اشتهار هذه الكتب ، وبعدها عن أن يقصد بها التبديل والتحريف - الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول ، وفهم جماعة من هذا الكلام الاشتراط ، وليس فيه ما يصرح بذلك ، ولا يقتضيه مع تصريح ابن الصلاح باستحباب ذلك في قسم الحسن ، حيث قال في الترمذي : فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول ، فأشار بينبغي إلى الاستحباب ، ولذلك قال المصنف زيادة عليه ( فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه ) ولم يورد ذلك مورد الاعتراض ، كما صنع في مسألة التصحيح قبله ، وفي مسألة القطع بما في الصحيحين ، وصرح أيضا في شرح مسلم بأن كلام ابن الصلاح محمول على الاستظهار والاستحباب دون الوجوب ، وكذا في المنهل الروي .

[ ص: 164 ] [ خاتمة ]

زاد العراقي في ألفيته هنا لأجل قول ابن الصلاح ، حيث ساغ له ذلك أن الحافظ أبا بكر محمد بن خير بن عمر الأموي - بفتح الهمزة - الإشبيلي ، خال أبي القاسم السهيلي قال في برنامجه : اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ، ولو على أقل وجوه الروايات ، لحديث : " من كذب علي " . انتهى .

ولم يتعقبه العراقي ، وقد تعقبه الزركشي في جزء له فقال فيما قرأته بخطه : نقل الإجماع عجيب ، وإنما حكي ذلك عن بعض المحدثين ، ثم هو معارض بنقل ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز ، فقال في الأوسط : ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه ، بل إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها ، وإن لم يسمع ، وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ، ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها ، وذلك شامل لكتب الحديث والفقه .

وقال إلكيا الطبري في تعليقه : من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به ، وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه ؛ لأنه لم يسمعه ، وهذا غلط ، وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين ، وقال : هم عصبة لا [ ص: 165 ] مبالاة بهم في حقائق الأصول ، يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث .



وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد بن عبد الحميد : وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد ، والإسناد إليها ؛ لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية ، ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس ، ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم ، ولولا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها ، وقد رجع الشارع إلى قول الأطباء في صور ، وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلا عن قوم كفار ، ولكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها ، كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وهم كفار ، لبعد التدليس . انتهى .

قال : وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها ، لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها . فمن قال : إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه فقد خرق الإجماع ، وغاية المخرج أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه ، ويتكلم على علته وغريبه وفقهه .

قال : وليس الناقل للإجماع مشهورا بالعلم مثل اشتهار هؤلاء الأئمة .

قال : بل نص الشافعي في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه . فليت شعري أي إجماع بعد ذلك ! .

قال : واستدلاله على المنع بالحديث المذكور أعجب وأعجب ، إذ ليس في الحديث [ ص: 166 ] اشتراط ذلك ، وإنما فيه تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله ، وهذا لا يتوقف على روايته ، بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصحيح . أو كونه نص على صحته إمام ، وعلى ذلك عمل الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية