صفحة جزء
[ ص: 166 ] النوع الثاني : الحسن . قال الخطابي : هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ، وعليه مدار أكثر الحديث ، ويقبله أكثر العلماء ، واستعمله عامة الفقهاء .


( النوع الثاني : الحسن ) للناس فيه عبارات : ( قال ) أبو سليمان ( الخطابي : هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ) فأخرج بمعرفة المخرج المنقطع ، وحديث المدلس قبل بيانه .

قال ابن دقيق العيد : وهذا الحد صادق على الصحيح أيضا ، فيدخل في حد الحسن .

وكذا قال ابن الصلاح وصاحب المنهل الروي ، وأجاب التبريزي بأنه سيأتي أن الصحيح أخص منه ، ودخول الخاص في حد العام ضروري ، والتقييد بما يخرجه عنه مخل للحد .

قال العراقي : وهو متجه قال : وقد اعترض ابن رشيد ما نقل عن الخطابي [ ص: 167 ] بأنه رآه بخط الحافظ أبي علي الجياني ، واستقر حاله - بالسين المهملة وبالقاف وبالحاء المهملة دون راء في أوله - قال : وذلك مردود ، فإن الخطابي قال ذلك في خطبة معالم السنن ، وهو في النسخ الصحيحة ، كما نقل عنه ، وليس لقوله : واستقر حاله ، كبير معنى ، وقال ابن جماعة يرد على هذا الحد : ضعيف عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف .

ثم قال الخطابي في تتمة كلامه : ( وعليه مدار أكثر الحديث ) لأن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح ( ويقبله أكثر العلماء ) ، وإن كان بعض أهل الحديث شدد ، فرد بكل علة ، قادحة كانت أم لا .

كما روي عن ابن أبي حاتم أنه قال : سألت أبي عن حديث فقال : إسناده حسن ، فقلت : يحتج به ؟ فقال : لا ، ( واستعمله ) أي عمل به ( عامة الفقهاء ) ، وهذا الكلام فهمه العراقي زائدا على الحد فأخر ذكره وفصله عنه .

وقال البلقيني : بل هو من جملة الحد ، ليخرج الصحيح الذي دخل فيما قبله ، بل والضعيف أيضا .

[ ص: 168 ] [ تنبيه ]

حكى ابن الصلاح بعد كلام الخطابي أن الترمذي حد الحسن ، بأن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ، ولا يكون شاذا ، ويروى من غير وجه نحو ذلك ، وأن بعض المتأخرين قال : هو الذي فيه ضعف قريب محتمل ويعمل به ، وقال : كل هذا مبهم لا يشفي الغليل ، وليس في كلام الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح . انتهى .

وكذا قال الحافظ أبو عبد الله بن المواق : لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح ، فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ، ورواته غير متهمين ، بل ثقات .

قال ابن سيد الناس : بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر ، ولم يشترط ذلك في الصحيح .

قال العراقي : إنه حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد ، كحديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك " ، فإنه قال فيه : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة .



[ ص: 169 ] قال : وأجاب ابن سيد الناس عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان رواته في درجة المستور ، ومن لم تثبت عدالته ، قال : وأكثر ما في الباب أن الترمذي عرف بنوع منه لا بكل أنواعه .

وقال شيخ الإسلام : قد ميز الترمذي الحسن عن الصحيح بشيئين :

أحدهما : أن يكون راويه قاصرا عن درجة راوي الصحيح ، بل وراوي الحسن لذاته ، وهو أن يكون غير متهم بالكذب ، فيدخل فيه المستور والمجهول ونحو ذلك ، وراوي الصحيح لا بد وأن يكون ثقة ، وراوي الحسن لذاته لا بد وأن يكون موصوفا بالضبط ، ولا يكفي كونه غير متهم .

قال : ولم يعدل الترمذي عن قوله ثقات ، وهي كلمة واحدة ، إلى ما قاله إلا لإرادة قصور رواته عن وصف الثقة ، كما هي عادة البلغاء .

الثاني : مجيئه من غير وجه ، على أن عبارة الترمذي فيما ذكره في العلل التي في آخر جامعه " وما ذكرنا في هذا الكتاب : حديث حسن ، فإنما أردنا به حسن إسناده " إلى آخر كلامه .

قال ابن سيد الناس : فلو قال قائل : إن هذا إنما اصطلح عليه في كتابه ولم يقله اصطلاحا عاما لكان له ذلك .

[ ص: 170 ] وقول ابن كثير : هذا الذي روي عن الترمذي في أي كتاب قاله وأين إسناده عنه ، مردود بوجوده في آخر جامعه كما أشرنا إليه .

وقال بعض المتأخرين : قول الترمذي مرادف لقول الخطابي فإن قوله : ويروى نحوه من غير وجه ، كقوله : ما عرف مخرجه وقول الخطابي : اشتهر رجاله ، يعني به السلامة من وصمة الكذب ، كقول الترمذي : ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذي ولا يكون شاذا ، ولا حاجة إليه ؛ لأن الشاذ ينافي عرفان المخرج ، فكأن المصنف أسقطه لذلك .

لكن قال العراقي : تفسير قول الخطابي : ما عرف مخرجه بما تقدم من الاحتراز عن المنقطع وخبر المدلس أحسن ؛ لأن الساقط منه بعض الإسناد لا يعرف فيه مخرج الحديث إذ لا يدرى من سقط ، بخلاف الشاذ الذي أبرز كل رجاله فعرف مخرج الحديث من أين ، وقال البلقيني : اشتهار الرجال أخص من قول الترمذي : ولا يكون في الإسناد متهم ، لشموله المستور .

وما حكاه ابن الصلاح عن بعض المتأخرين أراد به ابن الجوزي ، فإنه ذكر ذلك في العلل المتناهية وفي الموضوعات .

قال ابن دقيق : وليس ما ذكره مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره .

[ ص: 171 ] قال البدر بن جماعة : وأيضا فيه دور لأنه عرفه بصلاحيته للعمل به ، وذلك يتوقف على معرفة كونه حسنا .

قلت : ليس قوله : " ويعمل به " من تمام الحد بل زائد عليه ؛ لإفادة أنه يجب العمل به كالصحيح ، ويدل على ذلك أنه فصله من الحد ، حيث قال : ما فيه ضعف قريب محتمل فهو الحديث الحسن ، ويصلح البناء عليه والعمل به .

وقال الطيبي : ما ذكره ابن الجوزي مبني على أن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف ؛ لأن الحسن وسط بينهما ، فقوله : قريب ، أي قريب مخرجه إلى الصحيح محتمل لكون رجاله مستورين .

التالي السابق


الخدمات العلمية