صفحة جزء
[ ص: 171 ] قال الشيخ : هو قسمان : أحدهما : ما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته ، وليس مغفلا كثير الخطأ ، ولا ظهر منه سبب مفسق ، ويكون متن الحديث معروفا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر .

الثاني : أن يكون راويه مشهورا بالصدق والأمانة ، ولم يبلغ درجة الصحيح لقصوره في الحفظ والإتقان ، وهو مرتفع عن حال من يعد تفرده منكرا .

ثم الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوة ؛ ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح .


( قال الشيخ ) ابن الصلاح ، بعد حكايته الحدود الثلاثة وقوله ما تقدم : قد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي ، واتضح أن الحديث الحسن ( هو قسمان : أحدهما : ما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته ، وليس مغفلا كثير الخطأ ) فيما يرويه ، ولا هو متهم بالكذب في الحديث ( ولا ظهر منه سبب ) آخر ( مفسق ويكون متن الحديث ) مع ذلك ( معروفا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر ) أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله ، أو بما له من شاهد ، وهو ورود حديث آخر نحوه ، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا أو منكرا .

[ ص: 172 ] قال : وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل .

القسم ( الثاني : أن يكون راويه مشهورا بالصدق والأمانة و ) لكن ( لم يبلغ درجة الصحيح لقصوره ) عن رواته ( في الحفظ والإتقان ، وهو ) مع ذلك ( مرتفع عن حال من يعد تفرده ) أي ما ينفرد به من حديثه ( منكرا ) .

قال : ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا أو منكرا ، سلامته من أن يكون معللا . قال : وعلى هذا القسم يتنزل كلام الخطابي .

قال : فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك ، قال : وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن ، وذكر الخطابي النوع الآخر ، مقتصرا كل منهما على ما رأى أنه يشكل ، معرضا عما رأى أنه لا يشكل ، أو أنه غفل عن البعض وذهل . انتهى كلام ابن الصلاح .

قال ابن دقيق العيد : وعليه مؤاخذات ومناقشات .

وقال ابن جماعة يرد على الأول من القسمين : الضعيف والمنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور ، وروي مثله أو نحوه من وجه آخر ، وعلى الثاني المرسل الذي اشتهر راويه بما ذكر ، فإنه كذلك وليس بحسن في الاصطلاح .

قال : ولو قيل : الحسن كل حديث خال عن العلل ، وفي سنده المتصل مستور [ ص: 173 ] له به شاهد ، أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان ، لكان أجمع لما حددوه وأخصر .

وقال الطيبي : لو قيل الحسن مسند من قرب من درجة الثقة ، أو مرسل ثقة ، وروي كلاهما من غير وجه وسلم من شذوذ وعلة ، لكان أجمع الحدود وأضبطها وأبعد عن التعقيد .

وحد شيخ الإسلام في النخبة الصحيح لذاته : بما نقله عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ ، ثم قال : فإن خف الضبط فهو الحسن لذاته .

فشرك بينه وبين الصحيح في الشروط إلا إتمام الضبط ، ثم ذكر الحسن لغيره بالاعتضاد .

وقال شيخنا الإمام تقي الدين الشمني : الحسن خبر متصل قل ضبط راويه العدل ، وارتفع عن حال من يعد تفرده منكرا ، وليس بشاذ ولا معلل .

قال البلقيني : الحسن لما توسط بين الصحيح والضعيف عند الناظر ، كأن شيئا ينقدح في نفس الحافظ ، قد تقصر عبارته عنه ، كما قيل في الاستحسان ، فلذلك صعب تعريفه ، وسبقه إلى ذلك ابن كثير .

[ ص: 174 ] [ تنبيه ]

الحسن أيضا على مراتب ، كالصحيح . قال الذهبي : فأعلى مراتبه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وابن إسحاق عن التيمي ، وأمثال ذلك مما قيل : إنه صحيح ، وهو من أدنى مراتب الصحيح ، ثم بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وتضعيفه ، كحديث الحارث بن عبد الله وعاصم بن ضمرة وحجاج بن أرطاة ونحوهم .

( ثم الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوة ؛ ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح ) كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة ، مع قولهم بأنه دون الصحيح المبين أولا ، ولا بدع في الاحتجاج بحديث له طريقان لو انفرد كل منهما لم يكن حجة ، كما في المرسل ، إذا ورد من وجه آخر مسند ، أو وافقه مرسل آخر بشرطه كما سيجيء ، قاله ابن الصلاح .

وقال في الاقتراح : ما قيل من أن الحسن يحتج به ، فيه إشكال لأن ثم أوصافا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت في الراوي ، فإن كان هذا المسمى بالحسن مما وجدت فيه على أقل الدرجات التي يجب معها القبول فهو صحيح ، وإن لم توجد لم يجز الاحتجاج به وإن سمي حسنا ، اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر اصطلاحي ، بأن يقال إن هذه الصفات لها مراتب ودرجات فأعلاها وأوسطها يسمى صحيحا ، وأدناها يسمى حسنا ، وحينئذ رجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية