صفحة جزء
[ ص: 175 ] وقولهم : حديث حسن الإسناد أو صحيحه ، دون قولهم : حديث صحيح أو حسن : لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة ، فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن وحسنه ، وأما قول الترمذي وغيره : حديث حسن صحيح ، فمعناه روي بإسنادين ، أحدهما يقتضي الصحة ، والآخر الحسن .


[ ص: 175 ] ( وقولهم ) أي الحفاظ هذا ( حديث حسن الإسناد أو صحيحه دون قولهم حديث صحيح أو حسن لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد ) لثقة رجاله ( دون المتن لشذوذ أو علة ) وكثيرا ما يستعمل ذلك الحاكم في مستدركه .

( فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد ) ولم يذكر له علة ولا قادحا ( فالظاهر صحة المتن وحسنه ) لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر .

قال شيخ الإسلام : والذي لا شك فيه أن الإمام منهم لا يعدل عن قوله : صحيح إلى قوله : صحيح الإسناد إلا لأمر ما .

( وأما قول الترمذي وغيره ) كعلي بن المديني ويعقوب بن شيبة هذا ( حديث حسن صحيح ) وهو مما استشكل ؛ لأن الحسن قاصر عن الصحيح فكيف يجتمع إثبات القصور ونفيه في حديث ، ( فمعناه ) أنه ( روي بإسنادين : أحدهما يقتضي الصحة والآخر يقتضي الحسن ) فصح أن يقال فيه ذلك ، أي حسن باعتبار إسناد ، صحيح باعتبار آخر .

قال ابن دقيق العيد : يرد على ذلك الأحاديث التي قيل فيها ذلك مع أنه ليس [ ص: 176 ] لها إلا مخرج واحد ، كحديث خرجه الترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : " إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا " ، وقال فيه : حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ، وأجاب بعض المتأخرين : بأن الترمذي إنما يقول ذلك مريدا تفرد أحد الرواة عن الآخر لا التفرد المطلق .

قال : ويوضح ذلك ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه : " من أشار إلى أخيه بحديدة " الحديث . قال فيه : حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا .

قال العراقي : وهذا الجواب لا يمشي في المواضع التي يقول فيها : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، كالحديث السابق .

وقد أجاب ابن الصلاح بجواب ثان هو : أن المراد بالحسن اللغوي دون الاصطلاحي ، كما وقع لابن عبد البر حيث روى في كتاب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا : " تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة " الحديث بطوله ، وقال هذا حديث حسن جدا ، ولكن ليس له إسناد قوي .

[ ص: 177 ] فأراد بالحسن حسن اللفظ ؛ لأنه من رواية موسى البلقاوي وهو كذاب ينسب إلى الوضع عن عبد الرحيم العمي ، وهو متروك .

وروينا عن أمية بن خالد قال : قلت لشعبة تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وتدع عبد الملك بن أبي سليمان - وقد كان حسن الحديث - فقال : من حسنها فررت ، يعني أنها منكرة .

وقال النخعي : كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده ، قال السمعاني : عنى بالأحسن الغريب ، قال ابن دقيق العيد : ويلزم على هذا الجواب أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن ، وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم .

قال شيخ الإسلام : ويلزم عليه أيضا ، أن كل حديث يوصف بصفة فالحسن تابعه ، فإن كل الأحاديث حسنة اللفظ بليغة المعاني ، ولما رأينا الذي وقع له هذا كثير الفرق ، فتارة يقول : حسن فقط ، وتارة : صحيح فقط ، وتارة : حسن صحيح ، وتارة : صحيح غريب ، وتارة : حسن غريب ، فعرفنا أنه لا محالة جار مع الاصطلاح ، مع أنه قال في آخر الجامع : وما قلنا في كتابنا " حديث حسن " فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا ، فقد صرح بأنه أراد حسن الإسناد فانتفى أن يريد حسن اللفظ .

[ ص: 178 ] وأجاب ابن دقيق العيد بجواب ثالث : وهو أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة إلا حيث انفرد الحسن ، أما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة ؛ لأن وجود الدرجة العليا وهي الحفظ والإتقان لا ينافي وجود الدنيا كالصدق ، فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار العليا ، ويلزم على هذا أن كل صحيح حسن ، وقد سبقه إلى نحو ذلك ابن المواق .

قال شيخ الإسلام : وشبه ذلك قولهم في الراوي : صدوق فقط وصدوق ضابط ، فإن الأول قاصر عن درجة رجال الصحيح ، والثاني منهم ، فكما أن الجمع بينهما لا يضر ولا يشكل ، فكذلك الجمع بين الصحة والحسن .

ولابن كثير جواب رابع وهو : أن الجمع بين الصحة والحسن درجة متوسطة بين الصحيح والحسن ، قال : فما يقول فيه حسن صحيح أعلى رتبة من الحسن ودون الصحيح .

قال العراقي : وهذا تحكم لا دليل عليه ، وهو بعيد . ولشيخ الإسلام جواب خامس وهو : التوسط بين كلام ابن الصلاح وابن دقيق العيد فيخص جواب ابن الصلاح بما له إسنادان فصاعدا ، وجواب ابن دقيق العيد بالفرد .

[ ص: 179 ] قال : وجواب سادس وهو : الذي أرتضيه ولا غبار عليه ، وهو الذي مشى عليه في النخبة وشرحها : أن الحديث إن تعدد إسناده فالوصف راجع إليه باعتبار الإسنادين أو الأسانيد ، قال : وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا ؛ لأن كثرة الطرق تقوي ، وإلا فبحسب اختلاف النقاد في راويه ، فيرى المجتهد منهم بعضهم يقول فيه : صدوق ، وبعضهم يقول فيه : ثقة ، ولا يترجح عنده قول واحد منهما أو يترجح ، ولكنه يريد أن يشير إلى كلام الناس فيه ، فيقول ذلك ، وكأنه قال : حسن عند قوم صحيح عند قوم .

قال : وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف التردد ؛ لأن حقه أن يقول حسن أو صحيح . قال : وعلى هذا ما قيل فيه حسن صحيح دون ما قيل فيه صحيح ؛ لأن الجزم أقوى من التردد . انتهى .

وهذا الجواب مركب من جواب ابن الصلاح وابن كثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية