الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 302 ] 19 - ومن باب صلاة الخوف

شغلونا عن صلاة الوسطى - الجمع بين الصلوات - صلاة الخوف - لا تؤخر صلاة الخوف .

أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي ، أخبرنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد النيسابوري ، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : شغل المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة العصر حتى اصفرت الشمس ، أو احمرت ، فقال : شغلونا عن صلاة الوسطى ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا أو قال : حشا الله قبورهم وأجوافهم نارا .

هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في الصحيح ، عن عون بن سلام ، عن محمد بن طلحة .

أخبرني أبو موسى الحافظ ، أخبرنا أبو علي ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، حدثنا الحارث بن أسد ، حدثنا محمد بن كثير الكوفي ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من أمر المشركين فلم يصل الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فلما فرغ صلاهن الأول فالأول ، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف .

أخبرنا عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد الجنابذي ، أخبرنا أبو بكر الحرشي ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا ابن أبي فديك ، أخبرنا ابن أبي ذئب ، [ ص: 303 ] عن المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة ، حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل ، حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل : ( وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأمره فأقام الظهر ، فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ، ثم أقام العصر فصلاها كذلك ، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا ، قال : وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف : ( فرجالا أو ركبانا ) .

قال الشافعي - رضي الله عنه - : فبين أبو سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية التي ذكر الله فيها صلاة الخوف ؛ قول الله - عز وجل - : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) الآية . ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) الآية .

ولما حكى أبو سعيد أن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الخندق كانت قبل أن تنزل صلاة الخوف ( فرجالا أو ركبانا ) استدللنا على أنه لم يصل صلاة الخوف إلا بعدها ؛ إذ حضرها أبو سعيد ، وحكى تأخير الصلوات حين خرج من وقت عامتها ، وحكى أن ذلك قبل نزول صلاة الخوف .

قال الشافعي : ولا تؤخر صلاة الخوف بحال أبدا عن الوقت إن كانت في [ ص: 304 ] حضر ، أو عن وقت الجمع في السفر لخوف ولا لغيره ، ولكن يصلي كما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

والذي أخذنا به في صلاة الخوف أن مالكا أخبرنا عن يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف يوم ذات الرقاع : أن طائفة صلت معه ، وطائفة صفت وجاه العدو ، فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما ، وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالسا ، وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم .

قال الشافعي : وأخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات ، عن أبيه خوات بن جبير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث يزيد بن رومان .

قال الشافعي : وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الخوف على غير ما حكى مالك ، وإنما أخذنا بهذا دونه ؛ لأنه كان أشبه بالقرآن وأقوى في مكايدة العدو ، وقال الشافعي أيضا : وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل هذا الكتاب من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سن سنة فأحدث الله إليه في تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها ، فسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة تقوم بها الحجة على الناس ، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها . وقال أيضا فنسخ الله تعالى تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها كما أنزل الله ، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقتها ، ونسخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه ثم بسنته ، فصلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقتها كما وصفت .

التالي السابق


الخدمات العلمية