الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 307 ] [ ص: 308 ] 21 - ومن كتاب الجنائز باب الأمر بالقيام للجنازة

حديث عامر بن ربيعة في القيام للجنازة - رأي الشافعي - حديث جابر بن عبد الله في القيام للجنازة - حديث أبي موسى الأشعري في القيام - من رأى القيام - رأي الإمام أحمد - من لم ير القيام - حجة من لم ير القيام - حديث مسعود بن الحكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم للجنازة ثم جلس - حديث الإمام علي في نفس المعنى - حديث أبي موسى الأشعري - القيام للملائكة المصاحبين للجنازة - الإمام علي يوضح رواية أبي موسى - قول الشافعي : القعود أولى .

أخبرنا طاهر بن محمد بن طاهر ، أخبرنا مكي بن منصور ، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عامر بن ربيعة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع .

[ ص: 309 ] هذا حديث صحيح ثابت ، أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان .

وقال الشافعي : هذا لا يعدو أن يكون منسوخا ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام لها لعلة قد رواها بعض المحدثين ؛ أنها كانت جنازة يهودي ، فقام لها كراهية أن تطوله .

أخبرني أبو طالب محمد بن علي بن أحمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن الحسن في كتابه ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا محمد بن علي ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن مقسم ، عن جابر بن عبد الله قال : مرت بنا جنازة ، فقام لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمنا معه ، فقلنا : يا رسول الله إنها جنازة يهودي . فقال : إن الموت فزع ، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا .

أخبرني أبو الفضل صالح بن محمد ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا عباس بن مجاشع ، حدثنا محمد بن أبي يعقوب ، حدثنا حسان ، حدثنا ليث ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا [ ص: 310 ] مرت جنازة فقوموا لها ؛ فإنما تقومون لمن معها من الملائكة .

وفي الباب عن نفر من الصحابة .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب :

فقال بعضهم : على الجالس أن يقوم إذا رأى الجنازة حتى تخلفه ، وممن رأى ذلك : أبو مسعود البدري ، وأبو سعيد الخدري ، وقيس بن سعد ، وسهل بن حنيف ، وسالم بن عبد الله .

وقال أحمد بن حنبل : إن قام لم أعبه ، وإن قعد فلا بأس به ، وبه قال إسحاق الحنظلي .

وقال أكثر أهل العلم : ليس على أحد القيام للجنازة ، وروينا ذلك عن علي بن أبي طالب ، والحسن بن علي ، وعلقمة ، والأسود ، والنخعي ، ونافع بن جبير ، وفعله سعيد بن المسيب ، وبه قال عروة بن الزبير ، ومالك ، وأهل الحجاز ، والشافعي وأصحابه ، وذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث .

قرأت على أبي طاهر روح بن بدر بن ثابت ، أخبرك أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد التاجر في كتابه ، عن أبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو العباس ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن [ ص: 311 ] نافع بن جبير ، عن مسعود بن الحكم ، عن علي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم للجنازة ثم جلس بعد .

هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم في الصحيح من حديث ليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد .

أخبرني محمد بن علي بن أحمد القاضي ، عن أحمد بن الحسن بن أحمد ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا محمد بن علي ، حدثنا سعيد ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة ، حدثني واقد بن عبد الله بن عمرو بن سعد قال : شهدت جنازة في بني سلمة ، فقمت ، فقال لي نافع بن جبير : اجلس ؛ فإني سأخبرك في هذا بثبت ، حدثني مسعود بن الحكم الزرقي ، أنه سمع علي بن أبي طالب في رحبة الكوفة وهو يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجلوس .

[ ص: 312 ] وقال أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن ، حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل الطبري ، حدثنا يحيى بن محمد البصري ، حدثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي معمر قال : مرت بنا جنازة فقمنا ، فقال علي : من أفتاكم هذا ؟ قلنا : أبو موسى الأشعري . فقال : ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة ، كان يتشبه بأهل الكتاب ، فلما نسخ ذلك ونهي عنه انتهى .

ورواه عاصم عن سفيان الثوري بالإسناد ، وقال فيه : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة ثم نهي عنه ، فهذه الألفاظ كلها تدل على أن القعود أولى من القيام .

قرأت على أبي منصور محمد بن أحمد بن الفرج ، أخبرك عبد القادر بن محمد ، أخبرنا أبو علي التميمي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد ، حدثني أبي ، حدثنا أبو النصر ، حدثنا أبو معاوية - يعني شيبان - عن ليث ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا مرت جنازة فإن كان مسلما أو يهوديا أو نصرانيا فقوموا لها ، فإنه ليس يقوم لها ولكن يقوم لمن معها من الملائكة .

قال ليث : فذكرت هذا الحديث لمجاهد ، فقال : حدثني عبد الله بن سخبرة الأزدي قال : إنا لجلوس مع علي ننتظر جنازة إذ مرت بنا أخرى ، فقمنا ، فقال علي : ما يقيمكم ؟ فقلنا : هذا ما يأتونا به أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : وما ذلك ؟ قلت : زعم أبو موسى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 313 ] قال : إذا مرت جنازة فإن كان مسلما أو يهوديا أو نصرانيا فقوموا لها ؛ فإنه ليس يقوم لها ولكن يقوم لمن معها من الملائكة . فقال علي : ما فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط غير مرة برجل من اليهود ، وكانوا أهل كتاب ، وكان يتشبه بهم ، فإذا نهي انتهى ، فما عاد لها بعد .

قال الشافعي : فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان الأول واجبا فالآخر من أمره ناسخ ، وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب ، وإن كان مباحا لا بأس بالقيام والقعود ، فالقعود أولى ؛ لأنه الآخر من فعله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية