الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 401 ] ومن كتاب البيوع

1 - باب الربا حديث : إنما الربا في النسيئة .

- بيان أن الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما .

2 - باب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لقاح النخل ، ثم الإذن بعد ذلك .

3 - باب المزارعة .

- اختلاف العلماء في كراء الأرض .

- ذكر خبر يصرح بالإذن والنهي بعده .

4 - باب النهي عن كسب الحجام ، والإذن فيه .

[ ص: 402 ] 1 - باب الربا

حديث أسامة في بيان الربا - من أخذ بهذا - ترك ابن عباس لما كان يفتي به - بيان من وافق ابن عباس - حديث بيع الشيء مثلا بمثل - حديث الدينار بالدينار - المذهب الأول - حديث رواه الشافعي - مناقشة الشافعي لحديث أسامة - نزع ابن عباس عن قوله قبل موته - ترك ابن عباس رأيه لحديث أبي سعيد - حديث عبادة - حديث أبي المنهال .

أخبرنا طاهر بن محمد بن طاهر بهمذان ، أخبرنا مكي بن منصور ، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا ابن عيينة ، أنه سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول : سمعت ابن عباس ، يقول : أخبرني أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما الربا في النسيئة .

[ ص: 403 ] قال الشافعي : فأخذ بهذا ابن عباس ، ونفر من أصحابه المكيين ، وغيرهم .

أخبرني محمد بن إبراهيم بن علي ، أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا الحسن بن محمد ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو إسرائيل - يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : سمعت ابن عباس يقول : إنما كنت أفتي فيه برأيي ، وقد تركته ، وذلك أن أسامة بن زيد حدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ربا إلا في الدين .

وقد وافق ابن عباس على هذا القول : سعيد ، وعروة بن الزبير ، ونفر يسير ، وخالفهم في ذلك أهل العلم قاطبة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة الأمصار ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث ثابتة .

[ ص: 404 ] أخبرنا حمزة بن أبي الفتح بن علي ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز .

هذا حديث صحيح ثابت ، اتفقا على إخراجه في الصحيح من حديث مالك .

أخبرنا طاهر بن محمد بن طاهر ، أخبرنا مكي بن منصور ، أخبرنا أحمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن موسى بن إبراهيم ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ؛ لا فضل بينهما .

هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم في كتابه من حديث مالك .

وأما حديث أسامة ، فسلك بعضهم فيه مسلك الجمع من غير ادعاء النسخ ، وادعى نفر نسخه ، وأنا أذكر كلا المذهبين .

أما الأول : فقد روي عن الشافعي فيه شيء .

[ ص: 405 ] أخبرنا روح بن بدر بن ثابت ، عن أبي الفتح أحمد بن محمد بن أحمد ، عن سعيد الصيرفي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، قال - بعد ذكر حديث أبي سعيد ، وأبي هريرة ، وابن عمر ونفر ، وروى عثمان بن عفان ، وعبادة بن الصامت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الزيادة في الذهب بالذهب يدا بيد ، قال الشافعي : فأخذنا بهذه الأحاديث ، وقال بمثل معناه الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثر المفتين بالبلدان .

ثم ذكر الشافعي حديث أسامة بن زيد ، وقال : فقال لي قائل : فهذا الحديث مخالف للأحاديث قبله ، قلت : قد يحتمل موافقتها ، قال : وبأي شيء يحتمل موافقتها ؟ قلت : قد يكون أسامة بن زيد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الصنفين المختلفين مثل الذهب بالورق ، والتمر بالحنطة ، أو ما اختلف جنسه متفاضلا يدا بيد ، فقال : إنما الربا في النسيئة ، أو تكون المسألة سبقته بهذا ، فأدرك الجواب ، فروى الجواب ولم يحفظ المسألة ، أو شك فيها ؛ لأنه ليس في حديثه ما ينفي هذا عن أسامة ، فيحتمل موافقتها ، لهذا قال الشافعي : فقال لي : فلم قلت يحتمل خلافها ؟ قلت : لأن ابن عباس الذي رواه كان يذهب هذا المذهب ؛ فيقول : لا ربا في بيع يدا بيد ، إنما الربا في النسيئة .

قال الشافعي : فقال : فما الحجة في أن كانت الأحاديث قبله مخالفة في تركه إلى غيره ؟ فقلت له : كل واحد ممن روى خلافا وإن لم يكن أشهر [ ص: 406 ] بالحفظ للحديث من أسامة ، فليس به تقصير عن حفظه ، وعثمان بن عفان وعبادة أشد تقدما بالسن والصحبة من أسامة ، وأبو هريرة أسن وأحفظ من روى الحديث في دهره ، ولما كان حديث اثنين أولى في الظاهر بالحفظ ، وأن ينفى عنه الغلط من حديث واحد كان حديث الأكثر الذي هو أشبه أن يكون أولى بالحفظ من حديث من هو أحدث منه ، وكان حديث خمسة أولى من أن يصار إليه من حديث واحد ، قلت : ويقال : إن ابن عباس نزع عن قوله قبل موته .

ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل الفقيه الطبري ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا زيد بن مرة أبو المعلى ، حدثنا أبو سعيد الرقاشي ، أن عكرمة مولى ابن عباس قدم البصرة ، فجلسنا إليه في المسجد الجامع ، فقال : ألا تنهون شيخكم هذا ؟ يعني الحسن بن أبي الحسن يزعم أن ما تبايع به المسلمون يدا بيد الفضة بالفضة والذهب بالذهب ، الزيادة فيه حرام ، فأنا أشهد أن ابن عباس أحله ، فقال أبو سعيد الرقاشي : فقلت : ويحك ، أما تعلم أني كنت جالسا عند رأسه وأنت عند رجليه ، فجاء رجل فقام عليك فقلت : ما حاجتك ؟ فقال : أردت أن أسأل ابن عباس عن الذهب بالذهب ، فقلت : اذهب فإنه يزعم أنه لا بأس به . فكشف عمامته عن وجهه ، ثم جلس ابن عباس فقال : أستغفر الله ، والله ما كنت أرى إلا أن ما تبايع به المسلمون من شيء يدا بيد إلا حلالا ، حتى سمعت عبد الله بن عمر ، وعمر بن الخطاب ، حفظا من ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم أحفظ ، فأستغفر الله . وروى أبو زرعة الرازي ، أخبرنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن زياد أبو همام الربعي ، حدثنا أبو الجوزاء قال : سألت ابن العباس عن الصرف ، فقال : لا بأس به يدا بيد . فأفتيت به حتى رجعت من قابل إلى مكة فإذا الشيخ حي ، فسألته فقال : وزنا بوزن ، فقلت له : سألتك عام أول [ ص: 407 ] فأفتيتني أن لا بأس به ، فلم أزل أفتي به إلى يومي هذا حتى قدمت عليك . فقال : إن ذلك كان برأي ، وهذا أبو سعيد الخدري يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتركت رأيي إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما من ادعى نسخ ذلك ذهب في ذلك إلى حديث فيه مقال .

أخبرنا محمد بن أحمد بن الفرج الدقاق . أخبرنا عبد القادر بن محمد ، أخبرنا الحسن بن علي بن محمد ، حدثنا عمر بن محمد بن علي الصيرفي ، حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية حدثنا مجد بن الحسين بن أشكاب ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا بحر السقاء ، حدثنا عبد العزيز بن أبي بكرة ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصرف قبل موته بشهر . هذا الحديث واهي الإسناد ، وبحر السقاء لا تقوم به الحجة ، ثم في حديث عبادة ما يدل على أن التحريم كان يوم خيبر .

أخبرني محمد بن عبد الخالق بن أبي نصر ، أخبرنا أحمد بن محمد بن بشر ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا حبيب بن الحسن ، أخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا أحمد بن محمد بن أيوب ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت ، قال : نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر أن نبيع ، أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين ، وتبر الفضة بالفضة العين . قال : وقال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين .

[ ص: 408 ] هذا الحديث بهذا الإسناد ، وإن كان فيه مقال من جهة ابن إسحاق ، غير أن له أصلا من حديث عبادة ، ثم يشيده حديث فضالة بن عبيد ، فإن أسامة سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل خيبر ، فقد ثبت النسخ ، وإلا فالحكم ما صار إليه الشافعي جمعا بين الأخبار ، فبحثنا هل نجد حديثا يؤكد رواية أبي بكرة ، ويبين تقديم حديث أسامة ، إن كان ما سمعه على ما سمعه ، فرأينا أبا موسى الحافظ أخبرنا ، عن أبي العباس أحمد بن غالب ، أخبرنا محمد بن عبد الله ، أخبرنا سليمان بن أحمد ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أنه سمع أبا المنهال يقول : باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل ، فقلت : ما أرى هذا يصلح فقال : لقد دفعتها في السوق فما عاب ذلك علي أحد ، فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وتجارتنا هكذا ، فقال : ما كان يدا بيد فلا بأس به ، وما كان نسيئا فلا خير فيه ، وأت زيد بن أرقم ؛ فإنه كان أعظم تجارة مني ، فأتيته فذكرت ذلك له ، فقال : صدق البراء .

قال الحميدي : هذا منسوخ ، لا يؤخذ بهذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية