الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 140 ] باب ما جاء في مس الذكر

حديث طلق بن علي - ذكر مذاهب أهل العلم - ذكر من ذهب إلى ترك الوضوء من مس الذكر - ذكر من ذهب إلى إيجاب الوضوء - هل حديث طلق منسوخ ، وأن حديث بسرة ناسخ له ؟ - حديثان آخران عن أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو - أدلة من ذهب إلى الرخصة - أدلة من ذهب إلى حديث بسرة - هل سمع طلق الناسخ والمنسوخ ؟ .

أخبرني أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الفارسي ، أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب العبدي ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ ، أخبرنا أحمد بن محمد بن يزيد بن يحيى الزعفراني ، [ ص: 141 ] حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا أبو نعيم أيوب بن عتبة قاضي اليمامة ، حدثني قيس بن طلق ، حدثني أبي أنه كان في الوفد الذين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مس الذكر ؟ فقال : ما هو إلا بضعة من جسدك .

رواه أبو نعيم ، وتابعه أحمد بن يونس ، وقال : سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والباقي مثله .

أخبرنا أبو العلاء الحافظ ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو القاسم الرازي ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن جابر ، عن [ ص: 142 ] قيس بن طلق عن أبيه ، أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل من مس الذكر الوضوء ؟ قال : لا .

قرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك أبو علي ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أيوب بن عتبة ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، يكون أحدنا في الصلاة فيمس ذكره ، يعيد الوضوء ؟ قال : لا إنما هو منك .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب : فذهب بعضهم إلى هذه الأحاديث ، ورأوا ترك الوضوء من مس الذكر : روي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وحذيفة بن اليمان ، وعمران بن حصين ، وأبي الدرداء ، وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين ، وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وسفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، ويحيى بن معين ، وأهل الكوفة .

[ ص: 143 ] وخالفهم في ذلك آخرون : فذهبوا إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر ، وبعض من ذهب إلى هذا القول ادعى أن حديث طلق منسوخ على ما سيأتي بيانه ، وممن روي عنه الإيجاب من الصحابة : عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وأبو أيوب الأنصاري ، وزيد بن خالد ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وجابر ، وعائشة ، وأم حبيبة ، وبسرة بنت صفوان ، وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين ، وابن عباس في إحدى الروايتين .

ومن التابعين ؛ عروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وعطاء بن أبي رياح ، وأبان بن عثمان ، وجابر بن زيد ، والزهري ، ومصعب بن سعد ، ويحيى بن أبي كثير عن رجال الأنصار ، وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين ، وهشام بن عروة ، والأوزاعي ، وأكثر أهل الشام ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء .

ومن ذهب إلى هذا القول ادعى أن حديث طلق على تقدير ثبوته منسوخ ، وناسخه ما أخبرني عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ، أخبرنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين التاجر ، أخبرنا أحمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أنه سمع عروة بن الزبير يقول : دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء ؟ فقال مروان : من مس الذكر الوضوء .

[ ص: 144 ] قال عروة : ما علمت ذلك ! قال مروان : أخبرتني بسرة ابنة صفوان ، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ .

أخرجه أبو داود في كتابه عن القعنبي ، عن مالك ، وأخرجه النسائي ، عن هارون بن عبد الله ، عن معن ، وعن الحارث بن مسكين ، كلاهما عن مالك . وأخرجه الترمذي أيضا من غير وجه .

وبالإسناد قال الشافعي : أخبرنا سليمان بن عمرو ، ومحمد بن عبد الله ، عن يزيد بن عبد الملك الهاشمي ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه شيء فليتوضأ .

[ ص: 145 ] هكذا رواه الشافعي في كتاب الطهارة ، ورواه في سنن حرملة ، عن عبد الله بن نافع ، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي ، عن أبي موسى الخياط ، عن سعيد بن أبي سعيد ، وقد روى هذا الحديث : عبد الرحمن بن القاسم المصري ، ومعن بن عيسى ، وإسحاق الفروي ، وغيرهم عن يزيد بن عبد الملك ، عن سعيد .

كما رواه الشافعي أولا ، ويزيد هو ابن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، سئل عنه أحمد بن حنبل فقال : شيخ من أهل المدينة ، ليس به بأس ، وقد روى عنه نافع بن عمر الجمحي ، عن سعيد المقبري ، كما رواه يزيد بن عبد الملك . وإذا اجتمعت هذه الطرق دلتنا على أن هذا الحديث له أصل من رواية أبي هريرة .

أخبرني أبو موسى الحافظ ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، أخبرنا أبو أحمد الغطريفي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن شيرويه ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني الزبيدي ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ .

هذا إسناد صحيح ؛ لأن إسحاق بن إبراهيم إمام غير مدافع ، وقد خرجه [ ص: 146 ] في مسنده ، وبقية بن الوليد ثقة في نفسه ، وإذا روى عن المعروفين فيحتج به .

[ ص: 147 ] وقد أخرج مسلم بن الحجاج فمن بعده من أصحاب الصحاح حديثه محتجين به .

والزبيدي هو محمد بن الوليد قاضي دمشق ، من ثقات الشاميين ، محتج به في الصحاح كلها .

[ ص: 148 ] وعمرو بن شعيب ثقة باتفاق أئمة الحديث ، وإذا روى عن غير أبيه لم يختلف أحد في الاحتجاج به ، وأما روايته عن أبيه ، عن جده ، فالأكثرون على أنها متصلة ليس فيها إرسال ولا انقطاع ، وقد روى عنه خلق من التابعين .

[ ص: 149 ] وذكر الترمذي في كتاب " العلل " عن محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري أنه قال : حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب في باب مس الذكر هو عندي صحيح ، وقد روي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب من غير وجه ، فلا يظن ظان أنه من مفاريد بقية ، فيحتمل أن يكون قد أخذه عن مجهول ، والغرض من تبيين هذا الحديث زجر من لم يتقن معرفة مخارج الحديث عن الطعن في الحديث من غير تتبع وبحث عن مطالعه .

وقال بعض من ذهب إلى الرخصة : المصير إلى حديث طلق أولى لأسباب :

منها : اشتهار طلق بصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

ومنها : طول صحبته ، وكثرة روايته .

وأما بسرة فغير مشهورة ، واختلاف الرواة في نسبها يدل على جهالتها ؛ لأن بعضهم يقول : هي كنانية ، وبعضهم يقول : أسدية . ثم لو قدرنا انتفاء الجهالة عنها ما كانت أيضا توازي طلقا في كثرة روايته ؛ إذ قلة روايتها تدل على قلة صحبتها ، ثم اختلاف الرواة في حديثها يدل على ضعف حديثها ، ثم حديث النساء إلى الضعف ما هو !

قالوا : وقد روينا عن علي بن المديني ، ومحله من هذا الشأن ما قد عرف أنه قال ليحيى بن معين : كيف تتقلد إسناد بسرة ومروان أرسل شرطيا حتى رد جوابها إليه .

وروينا عن أبي حفص الفلاس أنه قال : حديث قيس بن طلق عندنا أثبت من حديث بسرة .

[ ص: 150 ] ثم لو سلمنا ثبوت الحديث فمن أين لكم ادعاء النسخ في ذلك ؟ إذ ليس في حديث بسرة ما يدل على النسخ ، بل أولى الطرق أن يجمع بين الحديثين ، كما حكاه لوين عن ابن عيينة قال : تفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : من مس ذكره فليتوضأ معناه : أن يغسل يده إذا مسه ، أجاب من ذهب إلى الإيجاب ، وقال : لا ينكر اشتهار بسرة بنت صفوان بصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومتانة حديثها إلا من جهل مذاهب التحديث ، ولم يحط علمه بأحوال الرواة .

وقال الشافعي : قد روينا قولنا عن غير بسرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد ، وأم خداش ، وعدة من النساء لسن بمعروفات في العامة ، ويحتج بروايتهن ، ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار ، وهم متوافرون ، ولم يدفعه منهم أحد ، بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها منهم : عروة بن الزبير ، وقد دفع وأنكر الوضوء من مس الذكر قبل أن يسمع الخبر ، فلما علم أن بسرة روته قال به وترك قوله ، وسمعها ابن عمر تحدث به فلم يزل يتوضأ من مس الذكر حتى مات ، وهذه طريقة الفقه والعلم .

وقال أحمد بن شعيب النسوي : حدثني محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، حدثنا منصور بن سلمة الخزاعي ، قال : قال لنا مالك بن أنس : أتدرون من بسرة بنت صفوان ؟ هي جدة عبد الملك بن مروان أم أمه ، فاعرفوها .

وقال مصعب بن عبد الله الزبيري : بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد من المبايعات ، وورقة بن نوفل عمها ، وليس لصفوان بن نوفل عقب إلا من قبل بسرة ، هي زوجة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص .

[ ص: 151 ] قالوا : وأما ما ذكرتموه من اختلاف الرواة في حديثها فقد وجد في حديث طلق نحو ذلك وأولى .

ثم إذا صح للحديث طريق ، وسلم من شوائب الطعن تعين المصير إليه ، ولا عبرة باختلاف الباقين ، وحديث مالك الذي مر سنده لا يختلف في عدالة رواته .

وأما ما روي بأن عروة جعل يماري مروان في ذلك حتى دعا رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة يسألها ، فغير قادح في المقصود ؛ لصيرورة عروة إلى هذا الحديث ، ولولا ثقة الحرسي عنده لما صار إليه ، ثم قد روي عن عروة أنه سأل بسرة عن ذلك فصدقته ، نحو ذلك رواه ربيعة بن عثمان ، والمنذر بن عبد الله الحزامي ، وعنبسة بن عبد الواحد ، وحميد بن الأسود ، وغيرهم ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة ، قالوا : وأما حديث طلق فلا يقاوم هذا الحديث ؛ لأسباب :

منها : نكارة سنده ، وركاكة روايته . قال الشافعي في القديم : وزعم - يعني من خالفه - أن قاضي اليمامة ، ومحمد بن جابر ذكرا عن قيس بن طلق ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن لا وضوء منه .

قال الشافعي : قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه ، فما يكون لنا فيه قبول خبره ، وقد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته .

[ ص: 152 ] وأشار الشافعي إلى حديث أيوب بن عتبة قاضي اليمامة ، ومحمد بن جابر السحيمي ، عن قيس بن طلق ، وقد مر حديثهما ، وأيوب بن عتبة ، ومحمد بن جابر ضعيفان عند أهل العلم بالحديث .

وقد روى حديث طلق أيضا ملازم بن عمرو ، عن عبد الله بن بدر ، عن قيس ، إلا أن صاحبي الصحيح لم يحتجا بشيء من روايته .

ورواه أيضا عكرمة بن عمار ، عن قيس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ، وعكرمة أقوى من رواه عن قيس ، إلا أنه رواه منقطعا .

قالوا : وقد روينا عن يحيى بن معين أنه قال : لقد أكثر الناس في [ ص: 153 ] قيس بن طلق ، وأنه لا يحتج بحديثه .

وروينا عن ابن أبي حاتم أنه قال : سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث ؛ فقالا : قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة ، ووهناه ، ولم يثبتاه . قالوا : وحديث قيس بن طلق كما لم يخرجه صاحبا الصحيح في الصحيح لم يحتجا أيضا بشيء من رواياته ، ولا بروايات أكثر رواة حديثه في غير هذا الحديث .

وحديث بسرة وإن لم يخرجاه لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة ، أو هو عن مروان ، عن بسرة ، فقد احتجا بسائر رواة حديثها ؛ مروان فمن دونه ، قالوا : فهذا وجه رجحان حديثها على حديث قيس من طريق الإسناد ، كما أشار إليه الشافعي ؛ لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة ، والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم ، وأما منعهم ادعاء النسخ قالوا : الدليل على ذلك من جهة التاريخ ؛ لأن حديث طلق كان في أول الهجرة زمن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبني المسجد ، وحديث بسرة ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، كان بعد ذلك لتأخرهم في الإسلام .

[ ص: 154 ] ذكر خبر يدل على أن قدوم طلق كان أول الهجرة

أخبرني محمد بن إبراهيم بن علي الخطيب ، أخبرنا يحيى بن عبد الله ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا عبد الله بن محمد الحياني ، حدثنا علي بن رستم ، حدثنا لوين ، عن محمد بن جابر ، عن عبد الله بن بدر ، عن طلق بن علي ، قال : قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يبنون المسجد ، فقال : يا يمامي أنت أرفق بتخليط الطين فلدغتني عقرب ، فرقاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . كذا روي من هذا الوجه مختصرا .

وقد روي من وجه آخر أتم من هذا ، وفيه ذكر الرخصة في مس الذكر ، قالوا : إذا ثبت أن حديث طلق متقدم ، وأحاديث المنع متأخرة وجب المصير إليها ، وصح ادعاء النسخ في ذلك ، ثم نظرنا : هل نجد أمرا يؤكد ما صرنا إليه ، فوجدنا طلقا روى حديثا في المنع ، فدلنا ذلك على صحة النقل في إثبات النسخ ، وأن طلقا قد شاهد الحالتين ، وروى الناسخ والمنسوخ .

أخبرنا أبو العلا الحافظ ، أخبرنا أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد ، أخبرنا محمد بن عبد الله الضبي ، أخبرنا سليمان بن أحمد ، حدثنا الحسن بن علي النسوي ، حدثنا حماد بن محمد الحنفي ، حدثنا أيوب بن عتبة ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن علي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من مس فرجه فليتوضأ .

قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن أيوب عن عتبة إلا حماد [ ص: 155 ] بن محمد ، وهما عندي صحيحان ، يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل هذا ، ثم سمع هذا بعد ؛ فوافق حديث بسرة ، وأم حبيبة ، وأبي هريرة ، وزيد بن خالد الجهني ، وغيرهم ممن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالوضوء من مس الذكر فسمع الناسخ والمنسوخ .

أخبرنا أبو موسي الحافظ ، أخبرنا أبو علي ، أخبرنا أبو إبراهيم ، أخبرنا أبو أحمد الغطريفي ، حدثنا أحمد بن موسى العدوي ، أخبرنا إسماعيل بن سعيد الكسائي الفقيه قال : المذهب في ذلك عندي من يرى الوضوء من ذلك ، يقولون : قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء من مس الذكر من وجوه شتى ، فلا يرد ذلك الحديث ملازم بن عمرو ، وأيوب بن عتبة ، ولو كانت روايتهما مثبتة لكان في ذلك مقال لكثرة من روى بخلاف روايتهما ، ومع ذلك الاحتياط في ذلك أبلغ .

ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح : أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه ، أفلا يرون أن الذكر لا يشبه سائر الجسد ، ولو كان ذلك بمنزلة الإبهام والأنف والأذن ، ما هو منا لكان لا بأس علينا أن نمسه بأيماننا ، فكيف يشبه الذكر بما وصفوا من الإبهام وغير ذلك ؟ ولو كان ذلك شرعا سواء لكان سبيله في المس سبيل ما سمينا ، ولكن ههنا علة قد غابت عنا معرفتها ، ولعل ذلك أن يكون عقوبة لكي يترك الناس مس الذكر ، فيصير من ذلك الاحتياط .

التالي السابق


الخدمات العلمية