الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 239 ] باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على آحاد الكفرة

أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن أبي نصر الخطيب ، أخبرنا إسماعيل بن الفضل بن أحمد ، أخبرنا أبو طاهر الكاتب ، أخبرنا محمد بن إبراهيم الخازن ، أخبرنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا جعفر - هو ابن مهران السباك - ، حدثنا عبد الوارث - هو ابن سعيد - حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين رجلا لحاجة يقال لهم : القراء ، فعرض لهم حيان من بني سليم : رعل ، وذكوان ، عند بئر يقال لها : بئر معونة ، فقال القوم : والله ما إياكم أردنا ، إنما نحن مجتازون في حاجة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلوهم ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا في صلاة الغداة ، فذلك بدء القنوت ، وما كنا نقنت .

[ ص: 240 ] هذا حديث صحيح ، أخرجه البخاري ، عن أبي معمر ، عن عبد الوارث ، وترجمة عبد الوارث ، عن عبد العزيز ، عن أنس ، من شرط أصحاب الصحاح كلهم .

أخبرني أبو زرعة ، عن أحمد بن علي بن عبد الله ، أخبرنا الحاكم ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا عبد الله بن عزيز الموصلي ، حدثنا غسان بن الربيع ، حدثنا ثابت بن يزيد ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت إذا قال : سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح ، فيدعو على حي من بني سليم

قال عكرمة : هذا مفتاح القنوت .

وهذا الحديث على شرط أبي داود ، أخرجه في كتابه ، عن عبد الله بن معاوية الجمحي ، عن ثابت بن يزيد أطول من هذا ، وقد زعم بعضهم أن هذا الحكم منسوخ ، وناسخه حديث أنس .

أخبرنا أبو المحاسن محمد بن عبد الملك بن علي الهمذاني ، أخبرنا زاهر بن طاهر ، أخبرنا أبو سعيد الجنزرودي ، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان ، قال : أخبرنا أبو يعلى ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن مهدي ، عن هشام ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا يدعو على حي من أحياء العرب بعد الركوع ثم تركه .

هذا حديث صحيح ثابت .

[ ص: 241 ] اعترضوا على من ادعى نسخ هذا الحكم ، وقالوا : هذا الحديث يدل على رفع أصل القنوت ، لا على الدعاء عليهم كما ذكرتم . أجابوا وقالوا : يدفعه ما أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد الحافظ ؛ إذنا إن لم يكن سماعا ، بل هو سماع غير أن أصله لم يحضرني ، أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد ، أخبرنا أبو علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عاصم الأحول ، عن أنس قال : سألته عن القنوت أقبل الركوع ، أو بعد الركوع ؟ فقال : قبل الركوع .

قال : قلت : فإنهم يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركوع . فقال : كذبوا ؛ إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا يدعو على ناس قتلوا أناسا من أصحابه ، يقال لهم : القراء .

هذا حديث صحيح ثابت ، متفق على صحته ، أخرجه البخاري ، عن مسدد ، وموسى بن إسماعيل ، وأخرجه مسلم من طرق عن عاصم ، وفي حديثهم : إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرا .

ألا تراه فصل بين القنوت المتروك ، والقنوت الملزوم ، ثم لم يطلق اللفظ حتى أكده بقوله بعد الركوع ، فدل على شرعية القنوت بعد الانتهاء عن الدعاء على الأعداء .

فإن قيل : قوله في الحديث : " تركه " ليس فيه دلالة على النسخ ، فيجوز أن يكون تركه في الحال ، وعاد إليه في وقت آخر .

[ ص: 242 ] قالوا : الحديث فيه دلالة على النسخ ، وما ذكرتموه يدفعه ما أخبرني أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الفارسي ، أخبرنا أبو زكريا العبدي ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، أخبرنا أبو يعلى ، أخبرنا المقدمي ، حدثنا سلمة بن رجاء ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن عبد الله بن كعب ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة ، ثم ذكر نحو حديث أبي هريرة في الدعاء على قريش - ويأتي ذكره - وفيه أنزل الله : ليس لك من الأمر شيء فما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على أحد بعد .

هذا حديث غريب من هذا الوجه ، يؤكده ما أخبرناه أبو الشيخ محمد بن علي بن أحمد الأديب ، أخبرنا الحسن بن أحمد القاري ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا مخلد بن جعفر ، قال : حدثنا جعفر الفريابي ، حدثنا محمد بن عثمان بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدعو على أحد ، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع ، وربما قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ، يجهر بذلك ، حتى كان يقول في بعض صلاة الفجر : اللهم العن فلانا وفلانا ، أحياء من العرب ، حتى أنزل الله : ليس لك من الأمر شيء الآية .

[ ص: 243 ] هذا حديث صحيح متفق عليه ، أخرجه البخاري ، عن موسى بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن سعد ، وأخرجه مسلم من رواية سفيان بن عيينة ، ويونس بن يزيد ، وفي قوله : " كان يقول في بعض صلاته " دليل على أن القنوت لم يشرع لأجل أحياء من العرب ؛ بل كان مشروعا ، وإنما كان أحيانا يزيد فيه الدعاء عليهم حتى نهي فانتهى .

قرأت على أبي محمد عبد الخالق بن هبة الله بن القاسم ، أخبرك أحمد بن الحسن بن البناء ، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد ، أخبرنا عبد الله بن محمد الأسدي ، أخبرنا علي بن الحسن بن العبد ، حدثنا أبو داود ، حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن عبد القاهر ، عن خالد بن أبي عمران قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على مضر إذ جاء جبريل ، فأوحى إليه أن اسكت ، فسكت ، فقال : يا محمد ، إن الله - عز وجل - لم يبعثك سبابا ولا لعانا ، وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابا ؛ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .

قال : ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونؤمن بك ، ونخضع لك ، ونخلع ونترك من يكفرك ، اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك بالكافرين ملحق .

هذا مرسل ، أخرجه أبو داود في المراسيل ، وهو حسن في المتابعات ، وقال الحاكم : أخبرني محمد بن موسى الصيدلاني ، قال : حدثنا إبراهيم [ ص: 244 ] بن أبي طالب ، قال : سمعت أبا قدامة يحكي عن عبد الرحمن بن مهدي في حديث أنس : قنت شهرا ثم تركه ، قال عبد الرحمن : إنما ترك اللعن .

التالي السابق


الخدمات العلمية