الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 245 ] باب في اختلاف الناس في القنوت في الفجر

قرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك أبو علي الحسن بن أحمد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، أخبرنا أبو علي الصواف ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، حدثنا أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت في الصبح بعد الركوع .

هذا حديث صحيح مخرج في كتاب مسلم ، من حديث أيوب نحوا من معناه .

وقرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك أبو الفتح إسماعيل أبو الفضل ، أخبرنا محمد بن أحمد ، أخبرنا أبو بكر بن المقري ، أخبرنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا عبد الوهاب ، عن خالد ، عن محمد ، قال : سألت أنس بن مالك : أقنت عمر ؟ قال : لقد قنت من هو خير من عمر ؛ قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - .

رواه سفيان بن حبيب ، عن خالد نحوه ، وقال فيه : أقنت عمر في صلاة الصبح ؟ فقال : قنت من هو خير من عمر ؛ قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 246 ] قال لي أبو موسى ، قال أبو مسلم الليثي عقيب هذا الحديث : هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن مسدد ، وأخرجه مسلم عن أبي خيثمة ، غير أني تتبعته فلم أجده في الكتابين ، ولعله أراد أن هذا الإسناد في الكتابين لغير هذا الحديث ، والله أعلم .

وقد اختلف الناس في القنوت في صلاة الصبح :

فذهب أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار إلى إثبات القنوت ، فممن روينا ذلك عنه من الصحابة : الخلفاء الراشدون : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومن الصحابة : عمار بن ياسر ، وأبي بن كعب ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة ، والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك ، وأبو حليمة معاذ بن الحارث الأنصاري ، وخفاف بن إيماء بن رحضة ، وأهبان بن صيفي ، وسهل بن سعد الساعدي ، وعرفجة بن شريح الأشجعي ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعائشة الصديقة .

[ ص: 247 ] ومن المخضرمين : أبو رجاء العطاردي ، وسويد بن غفلة ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو رافع الصائغ ، ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، والحسن بن أبي الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وأبان بن عثمان ، وقتادة ، وطاوس ، وعبيد بن عمير ، والربيع بن خثيم ، وأيوب السختياني ، وعبيدة السلماني ، وعروة بن الزبير ، وزياد بن عثمان وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعمر بن عبد العزيز ، وحميد الطويل .

ومن الأئمة الفقهاء : أبو إسحاق ، وأبو بكر بن محمد ، والحكم بن عتيبة ، وحماد ، ومالك بن أنس ، وأهل الحجاز ، والأوزاعي ، وأكثر أهل الشام ، والشافعي وأصحابه ، وعن الثوري روايتان ، وغير هؤلاء خلق كثير .

وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ، ومنعوا من شرعية القنوت في الصبح ، وزعم نفر منهم أنه كان مشروعا ثم نسخ ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث توهم النسخ .

أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي منصور بن محمد الشروطي ، أخبرنا إسماعيل بن الفضل بن أحمد ، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن ، حدثنا محمد بن أحمد البزاز ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا شريك ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لم يقنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا شهرا ، لم يقنت قبله ولا بعده .

[ ص: 248 ] تابعه أبان بن أبي عياش ، عن إبراهيم ، وقال في حديثه : لم يقنت في الفجر قط إلا شهرا واحدا .

ورواه محمد بن جابر اليمامي ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال في حديثه : ما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من الصلوات إلا في الوتر ؛ كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن ، يدعو على المشركين .

ومنها : ما أخبرنا محمد بن عبد الخالق بن أبي نصر ، أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ ، حدثنا أبو الطيب غلام طالوت بن عباد ، حدثنا أحمد بن حاتم بن مخشي ، حدثنا حماد بن زيد ، عن بشر بن حرب قال : سمعت ابن عمر يقول : أرأيتم قيامكم عند فراغ القارئ - هذا القنوت - والله إنه لبدعة ؛ ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير شهر واحد ، ثم تركه .

[ ص: 249 ] ومنها حديث أم سلمة : أخبرنا أبو نصر عبد الرحيم بن أبي الفرج الصوفي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد ، أخبرنا محمد بن عبد الملك القرشي ، أخبرنا علي بن عمر ، حدثنا أحمد بن إسحاق البهلول ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يعلى بن زنبور ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن أم سلمة قالت : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القنوت في صلاة الصبح .

ومنها حديث أنس قال : قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء العرب ، ثم تركه .

وهو حديث صحيح ، وقد مر سنده .

ومنها حديث أبي هريرة : أخبرنا أبو طاهر معاوية بن علي بن معاوية بأصبهان في السفرة الأولى ، أخبرنا إسماعيل بن الفضل بن أحمد ، أخبرنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو بكر بن المقري ، حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة ، حدثنا حرملة ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن : [ ص: 250 ] أنهما سمعا أبا هريرة يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يرفع رأسه من الركوع في صلاة الفجر في الركعة الثانية بعد سمع الله لمن حمده : ربنا لك الحمد ، اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف . ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون

هذا حديث صحيح متفق عليه .

فهذه جملة ما تمسك بها نفاة القنوت في صلاة الفجر .

وقال من ذهب إلى الإثبات : ما ذهبنا إليه محكم ، وادعاء النسخ فيه متعذر ، وأما ما ذكرتم من الأحاديث ، فلا يمكن الاسترواح إليها لما سنبينه .

قالوا : أما حديث ابن مسعود فلا يجوز الاحتجاج به ؛ لوجوه شتى :

منها : أن أبا حمزة ميمونا القصاب كان يحيى بن سعيد القطان ، وابن مهدي لا يحدثان عنه .

وقال أحمد بن حنبل : هو ضعيف متروك الحديث .

وقال يحيى بن معين : كوفي ليس بشيء .

وقال البخاري : ميمون أبو حمزة ليس بالقوي عندهم ، وقال السعدي : ذاهب ليس بشيء .

[ ص: 251 ] وقال إسحاق بن راهويه : ميمون القصاب شبه ذاهب ليس بشيء .

وقال النسائي : ميمون ليس بثقة .

وقال ابن عدي : ولميمون أحاديث يرويها عن إبراهيم خاصة مما لا يتابع عليه .

وقد روى هذا الحديث عن إبراهيم : أبان بن أبي عياش ، وقد قيل فيه أكثر ما قيل في أبي حمزة .

ورواه أيضا محمد بن جابر ، وقد ضعفه : يحيى بن معين ، وعمرو بن علي الفلاس ، وأبو حاتم ، وغيرهم .

وقد روي من طرق عدة ؛ كلها واهية لا يجوز الاحتجاج بها .

وما كان بهذه المثابة لا يمكن أن يجعل رافعا لحكم ثابت بطرق صحاح .

وجواب آخر : قالوا : ولو قدرنا صحة الحديث لكنا نجمع بين يدي الأحاديث كلها ونقول قوله : لم يقنت إلا شهرا واحدا ، ولم يقنت قبله ولا بعده محمول على معنى ما روي أنه قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية ، فلما نهى الله عن الدعاء عليهم بقوله : ليس لك من الأمر شيء انتهى ، وترك ذلك .

[ ص: 252 ] وما رويناه محمول على الدعاء والثناء على الله - عز وجل - والعمل بدليلين أولى من العمل بدليل واحد .

قالوا : وأما حديث ابن عمر ، فلا يجوز التمسك به لأسباب :

منها : أن بشر بن حرب - ويقال له : أبو عمرو الندبي - مطعون فيه .

قال البخاري : رأيت علي بن المديني يضعفه ، ويتكلمون فيه .

وقال علي : كان يحيى القطان لا يروي عنه .

وقال أحمد : بشر بن حرب ، أبو عمرو الندبي ، ليس هو بقوي في الحديث .

وقال إسحاق : بشر بن حرب يقال له : أبو عمرو الندبي ؛ ضعيف متروك ، ليس بشيء .

وقال يعقوب بن شيبة : قد وصف يحيى بن معين ، بشر بن حرب بالضعف .

وقال السعدي : بشر بن حرب لا يحمد حديثه .

وقال ابن أبي حاتم : هو ضعيف ، وكذا قاله النسائي .

ثم هذا الخبر - مع ضعفه - يعارضه ما رواه حماد بن زيد ، عن بشر بن حرب ، قال : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو في قنوته يا أم ملدم .

وجه آخر : قالوا : ولو قدرنا صحة الحديث فهو حجة لنا أيضا ؛ لأن ابن عمر أراد بالبدعة ههنا القنوت قبل الركوع ؛ لأنه روي عنه في الصحيح من طرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركوع ، فدل على أن ابن عمر إنما أنكر القنوت قبل الركوع ، وأما بعد الركوع فكان عالما به مقرا به .

[ ص: 253 ] وهذا الحديث قد روي من طرق عن ابن عمر ، كلها معللة وفيها مقال .

والصحيح ما رواه سليمان بن حرب ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن قنوت عمر ، فقال : ما شهدت ولا رأيت .

وهذا يدفع ما رواه عبد الرحمن بن محمد الديلي ، عن ابن إدريس ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلم يقنتوا ولم يجهروا .

قالوا : وكيف يصح هذا ، وقد روينا عنه بأسانيد صحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رفع رأسه من الركعة الأخيرة قنت ؟ !

وجه آخر : قالوا : إن ابن عمر كان قد شهد أباه يقنت ، وقنت معه لكنه نسيه ، يدل عليه ما أخبرنا به أبو طالب : محمد بن علي بن أحمد القاضي ، عن أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا محمد بن علي الصائغ ، حدثنا سعيد ، حدثنا هشيم ، أخبرنا ابن عون ، عن ابن سيرين : أن سعيد بن المسيب ذكر له قول ابن عمر في القنوت ، فقال : أما إنه قد قنت مع أبيه ، ولكنه نسيه .

وقد روى أسامة بن زيد الليثي قال : سمعت سالم بن عبد الله يقول : سئل ابن عمر عن شيء فقال للسائل : ائت سعيد بن المسيب فسله ، ثم أخبرنا ابن عمر بالمسألة ، فتوجه الرجل فسأل سعيدا ؛ فأفتاه بمثل ما قال ابن [ ص: 254 ] عمر ، فقال ابن عمر : قد أعلمتكم أنه أحد العلماء . وقد روينا عنه أنه كان يقول : قد كبرنا ونسينا ؛ ائتوا سعيد بن المسيب فسلوه .

قالوا : فمثل سعيد بن المسيب في فضله ونبله وعلمه إذا شهد على عبد الله بن عمر أنه رآه من أبيه ولكنه نسيه ، ولا يلحق ابن عمر في ذلك وصم ؛ لأن الناسي محطوط عنه الوزر .

وجه آخر : قالوا : ما روينا عن عمر في إثبات القنوت أولى وأرجح مما رويتموه ، فإنا روينا عن صحابيين : أنس بن مالك ، وابن عباس ، ومخضرمين : أبي عثمان النهدي ، وأبي رافع الصائغ ، وأربعة من التابعين : عبد الرحمن بن أبزى ، وعبيد بن عمير ، وزيد بن وهب ، وزياد بن عثمان ، أنهم صلوا خلف عمر بن الخطاب صلاة الصبح فقنت فيها ، وهو تأكيد لما قاله سعيد بن المسيب أنه رآه من أبيه ولكنه نسيه .

وجه آخر : قالوا : ما ذكرناه أولى ؛ لأن أحاديثنا تدل على إثبات القنوت ، وأحاديثهم تدل على نفي القنوت ، والمثبت أولى من النافي ؛ لأن الأصل أن لا قنوت ، وأحاديثنا تثبت القنوت ، وهو زيادة حكم ، فكان أولى .

وأما حديث أم سلمة فقالوا : لا يحل الاحتجاج به لما في إسناده من الخلل .

قال ابن أبي حاتم قال أبي : قال يحيى : عنبسة بن عبد الرحمن كان يضع الحديث .

وفيه أيضا عبد الله بن نافع ، وهو ضعيف الحديث جدا ، ضعفه ابن المديني ، ويحيى ، وأبو حاتم ، والساجي ، وغيرهم ، وقال الدارقطني : عبد الله بن [ ص: 255 ] نافع ، عن أبيه ، عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القنوت ، وهو مرسل ؛ لأن نافعا لم يلق أم سلمة ، ولا يصح سماعه منها ، ومحمد بن يعلى بن زنبور ، وعبد الله بن نافع ، وعنبسة ضعفاء ، ولو قدرنا صحة الحديث كان محمولا على القنوت الذي فيه الدعاء على أقوام معينين .

وأما حديث أنس فلا مطمع في الاحتجاج به ، إذ ليس فيه دلالة على النسخ ، وقوله في الحديث : ثم تركه - أي : الدعاء على الكفار - كما ذكرناه قبل . ومما يؤكد ما ذهبنا إليه ما رويناه عنه بإسناد متصل أنه حكى قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومداومته عليه إلى أن فارق الدنيا ، فلو حملناه على ما ذكرتموه أدى إلى إبطال أحد الحديثين من غير حاجة ، وفيما ذهبنا إليه جمع بين حديثين ، فكان أولى .

ومن وجه آخر قالوا : ما تمسكتم به طرف من الحديث ، فلو بحثتم عن أصل الحديث لبان لكم بطلان دعوى النسخ ، وذكروا ما قرأته على محمد بن عمر بن أحمد الحافظ ، أخبرك أبو الحسن محمد بن مرزوق ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا أبو علي الصيدلاني ، أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، أخبرنا إسحاق الدبري عن عبد الرزاق ، عن أبي جعفر الرازي ، عن عاصم ، عن أنس قال : قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ، وكان قنوته قبل ذلك وبعده قبل الركوع .

هذا إسناد متصل ، ورواته ثقات .

وحال أبي جعفر الرازي ؛ قال يحيى بن معين : أبو جعفر الرازي ثقة من طريق العلائي ، وإسحاق بن منصور ، ومضر بن محمد ، والدوري .

وقال ابن المديني : أبو جعفر الرازي عندنا ثقة .

[ ص: 256 ] وقال أبو حاتم الرازي : أبو جعفر الرازي ثقة صدوق صالح الحديث .

وقد اختلفت الرواية عن أحمد في حقه ، وقال حنبل بن إسحاق : سئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل عن أبي جعفر الرازي ، فقال : صالح الحديث .

قالوا : وهذه الرواية أولى ، ويؤكدها إخراجه حديثه في مسنده ، قالوا والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه فعل أنس بن مالك ذلك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

أخبرنا أبو العباس أحمد بن منصور الشاهد ، أخبرنا إسماعيل بن الفضل ، أخبرنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن علي ، حدثنا أبو بكر بن المقري ، حدثنا محمد بن إبراهيم ؛ حدثنا أبو عمر الدوري ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، أن أنس بن مالك سئل عن القنوت في صلاة الصبح أقبل الركوع أم بعده ؟ فقال : كلا قد يفعل ؛ قبل وبعد . هذا إسناد صحيح لا علة له .

قالوا : وأما حديث أبي هريرة فأيضا ليس دلالة على النسخ ، وبينوا ذلك من وجوه :

منها قوله : ثم بلغنا أنه ترك ذلك ، إنما هو من قول الزهري مدرج في الحديث ، ثم معناه أنه ترك الدعاء عليهم ؛ وإنما ترك ذلك لأن حديث أبي هريرة أنه دعا للمستضعفين ، ودعا على مضر ؛ فأما المستضعفون فأنجاهم الله تعالى من أيدي المشركين ، وأما مضر فمنهم قتلوا ومنهم ماتوا ، ومنهم أسلموا ، فقوله : " ترك " أي : الدعاء لهؤلاء المخصوصين المؤمنين ، والدعاء على هؤلاء الكفار المعينين ، وبقي ما عدا ذلك من الثناء على الله تعالى والدعاء لنفسه وللمؤمنين .

[ ص: 257 ] وقد جاء هذا مبينا في حديث أبي هريرة : أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر ، عن أحمد بن علي بن عبد الله ، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا حربي بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير ، حدثنا أبو سلمة ، أن أبا هريرة حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في صلاته في الركعة الأخيرة من صلاة الغداة بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده شهرا ؛ يقول في قنوته : اللهم أنج الوليد بن الوليد ، اللهم أنج سلمة بن هشام ، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف . فلم يزل يدعو لهم حتى نجاهم الله تعالى ، حتى كانت صبيحة الفطر ثم ترك الدعاء لهم ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، ما لك لم تدع للنفر ؟ قال : أوما علمت أنهم قدموا .

ومنها فعل أبي هريرة : قرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك أحمد بن عمر الحافظ ، أخبرنا أحمد بن علي بن عبد الله ، أخبرنا محمد بن عبد الله الضبي ، حدثنا أبو سهل بن زياد القطان ، حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعدما يقول : سمع الله لمن حمده ؛ فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار .

هذا حديث صحيح ، أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم ، وله طرق صحيحة ، وقد روي عن أبي هريرة نحو ذلك من غير وجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية