نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل ( ومن طاف طواف القدوم محدثا فعليه صدقة ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يعتد به لقوله عليه الصلاة والسلام { الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أباح فيه المنطق } ، فتكون الطهارة من شرطه . ولنا قوله تعالى: { وليطوفوا بالبيت العتيق }من غير قيد الطهارة فلم تكن فرضا . ثم قيل هي سنة والأصح أنها واجبة ; لأنه يجب بتركها الجابر ، ولأن الخبر يوجب العمل فيثبت به الوجوب ، فإذا شرع في هذا الطواف وهو سنة يصير واجبا بالشروع ويدخله نقص بترك الطهارة فيجبر بالصدقة إظهارا لدنو رتبته عن الواجب بإيجاب الله وهو طواف الزيارة ، وكذا الحكم في كل طواف هو تطوع .

( ولو طاف طواف الزيارة محدثا فعليه شاة ) ; لأنه أدخل النقص في الركن فكان أفحش من الأول فيجبر بالدم ( وإن كان جنبا فعليه بدنة ) كذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ولأن الجنابة أغلظ من الحدث فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا للتفاوت ، وكذا إذا طاف أكثره جنبا أو محدثا ; لأن أكثر الشيء له حكم كله [ ص: 242 ] ( والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه ) وفي بعض النسخ : وعليه أن يعيد . والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا ، وفي الجناية إيجابا لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث ، ثم إذا أعاده وقد طافه محدثا لا ذبح عليه وإن أعاده بعد أيام النحر ; لأن بعد الإعادة لا يبقى إلا شبهة النقصان ، وإن أعاده وقد طافه جنبا في أيام النحر ، فلا شيء عليه ; لأنه أعاده في وقته ، وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة رحمه الله بالتأخير على ما عرف من مذهبه .

ولو رجع إلى أهله وقد طافه جنبا عليه أن يعود ; لأن النقص كثير فيؤمر بالعود استدراكا له ويعود بإحرام جديد ، وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه لما بينا أنه جابر له إلا أن الأفضل هو العود ; ولو رجع إلى أهله وقد طافه محدثا إن عاد وطاف جاز ، وإن بعث بالشاة فهو أفضل ; لأنه خف معنى النقصان وفيه نفع للفقراء ، ولو لم يطف طواف الزيارة أصلا حتى رجع إلى أهله ; فعليه أن يعود بذلك الإحرام لانعدام التحلل منه وهو محرم عن النساء أبدا حتى يطوف ( ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة ) ; لأنه دون طواف الزيارة وإن كان واجبا فلا بد من إظهار التفاوت . وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه تجب شاة إلا أن الأول أصح ( ولو طاف جنبا فعليه شاة ) ; لأنه نقص كثير ثم هو دون طواف الزيارة فيكتفى بالشاة .


فصل

الحديث الخامس : قال عليه السلام : { الطواف بالبيت صلاة ، إلا أن الله تعالى [ ص: 242 ] أباح فيه المنطق }; قلت : تقدم في " باب الإحرام " ; والمصنف استدل به هنا للشافعي على أن الطهارة شرط في صحة الطواف ; وأحمد مع الشافعي في هذه المسألة ، واستدل لهما ابن الجوزي في " التحقيق " بحديثين في " الصحيحين " كلاهما عن عائشة : أحدهما : [ ص: 243 ] { أنها حاضت ، فقال لها النبي عليه السلام : اقضي ما يقضي الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري }; الثاني : { أن صفية حاضت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكنت [ ص: 244 ] أفضت يوم النحر يعني الطواف ؟ قالت : نعم ، قال : فانفري إذا }. قال : فمنع من الطواف لعدم الطهارة ; قال : فإن قال الخصم : إنما منع لأجل دخول المسجد ، قلنا : المنقول حكم ، وسبب ، وظاهر الأمر يتعلق الحكم بالسبب ، فلما تعرض للطواف لا للمسجد دل على أنه المقصود بالحكم انتهى كلامه . قال الشيخ في " الإمام " : روى أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، قال : سألت حمادا ، أو منصورا عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة ، فلم يريا به بأسا ; قال : وروى سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن ابن بشر عن عطاء ، قال : حاضت امرأة ، وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين ، فأتمت بها عائشة سنة طوافها .

قوله عن ابن عباس ، فيمن طاف طواف الزيارة جنبا أن عليه بدنة ; قلت : غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية