نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 218 - 219 ] باب التيمم ( ومن لم يجد ماء وهو مسافر أو خارج المصر بينه وبين المصر نحو ميل أو أكثر يتيمم بالصعيد ) : لقوله تعالى{ فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا }وقوله عليه الصلاة والسلام { التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء }والميل هو المختار في المقدار ; لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر ، والماء معدوم حقيقة ، والمعتبر المسافة دون خوف الفوت ، لأن التفريط يأتي من قبله .


باب التيمم .

الحديث الأول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { التراب طهور المسلم ، ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء } ، قلت : روي من حديث أبي ذر . ومن حديث أبي هريرة ، فحديث أبي ذر رواه أبو داود والترمذي . والنسائي من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الصعيد الطيب وضوء المسلم ، ولو إلى عشر سنين ما لم يجد الماء ، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ، فإن ذلك خير }انتهى .

[ ص: 220 ] وطوله أبو داود والترمذي : حديث حسن صحيح وفي رواية لأبي داود ، والترمذي { طهور المسلم }أخرجه أبو داود . والترمذي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة ، وأخرجه النسائي عن أيوب عن أبي قلابة به بالطريقين ، رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثلاثين ، من القسم الأول . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : حديث صحيح ، ولم يخرجاه ، إذ لم يجدا لعمرو راويا غير أبي قلابة الجرمي ، انتهى .

وبالطريقين أيضا رواه الدارقطني في " سننه " ورواه أيضا من حديث قتادة عن أبي قلابة ، وضعف ابن القطان في " كتابه الوهم والإيهام " هذا الحديث ، فقال : وهذا حديث ضعيف بلا شك ، إذ لا بد فيه من عمرو بن بجدان ، وعمرو بن بجدان : لا يعرف له حال ، وإنما روى عنه أبو قلابة ، واختلف عنه ، فقال : خالد الحذاء عنه عن عمرو بن بجدان ، ولم يختلف على خالد في ذلك ، وأما أيوب فإنه رواه عن أبي قلابة ، واختلف عليه ، فمنهم من يقول : عنه عن أبي قلابة عن رجل من بني قلابة ، ومنهم من يقول : عن رجل فقط ، ومنهم من يقول : عن عمرو بن بجدان ، كقول خالد ، ومنهم من يقول : عن أبي المهلب ، ومنهم من لا يجعل بينهما أحدا ، فيجعله عن أبي قلابة عن أبي ذر ، ومنهم من يقول : عن أبي قلابة أن رجلا من بني قشير قال : يا نبي الله هذا كله اختلاف على أيوب في روايته عن أبي قلابة ، وجميعه في " سنن الدارقطني " وعلله انتهى .

قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : ومن العجب كون ابن القطان لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان ، مع تفرده بالحديث ، وهو قد نقل كلامه : هذا حديث حسن صحيح ، وأي فرق بين أن يقول : هو ثقة ، أو يصحح له حديث انفرد به ؟ وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة ، فليس هذا : بمقتضى مذهبه ، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال ، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله ، وهو تصحيح الترمذي ، وأما الاختلاف الذي ذكره من " كتاب الدارقطني " فينبغي على طريقته . وطريقة الفقه أن ينظر في ذلك ، إذ لا تعارض بين قولنا : عن رجل ، وبين قولنا : عن رجل من بني عامر ، وبين قولنا : عن عمرو بن بجدان ، وأما من أسقط ذكر هذا الرجل فيأخذ بالزيادة ، ويحكم بها ، وأما من قال : عن أبي المهلب ، فإن كان كنية لعمرو فلا اختلاف ، وإلا فهي رواية واحدة مخالفة احتمالا لا يقينا ، وأما من قال : إن رجلا من بني قشير قال : يا نبي الله ، [ ص: 221 ] فهي مخالفة ، فكان يجب أن ينظر في إسنادها على طريقته ، فإن لم يكن ثابتا لم يعلل بها انتهى كلامه .

وأما حديث أبي هريرة ، فرواه البزار في " مسنده " حدثنا مقدم بن محمد المقدمي حدثني القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته } ، وانتهى .

قال البزار : لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ، ولم نسمعه إلا من مقدم ، وكان ثقة انتهى . ورواه الطبراني في " معجمه الوسط " حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة ثنا مقدم بن محمد المقدمي به عن ابن سيرين عن أبي هريرة ، قال : { كان أبو ذر في غنيمة بالمدينة ، فلما جاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، فسكت ، فرددها عليه ، فسكت ، فقال : يا أبا ذر ثكلتك أمك ، قال : إني جنب ، فدعا له الجارية بماء ، فجاءته به ، فاستتر براحلته ، ثم اغتسل ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يجزئك الصعيد ، ولو لم تجد الماء عشرين سنة ، فإذا وجدته فأمسه جلدك }انتهى .

وقال : لم يروه عن ابن سيرين إلا هشام ، ولا عن هشام إلا القاسم ، تفرد به مقدم انتهى . وذكره ابن القطان في " كتابه " من جهة البزار ، وقال : إسناده صحيح ، وهو غريب من حديث أبي هريرة ، وله علة ، والمشهور حديث أبي ذر الذي صححه الترمذي ، وغيره ، قال : والقاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم أبو محمد الهلال الواسطي يروي عن عبيد الله بن عمر ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، وروى عنه ابن أخيه مقدم بن يحيى الواسطي . وأحمد بن حنبل ، وأخرج له البخاري في التفسير والتوحيد وغيرهما من " صحيحه " معتمدا ما يرويه انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية