نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 248 ] فصل اعلم أن صيد البر محرم على المحرم وصيد البحر حلال لقوله تعالى: { أحل لكم صيد البحر }إلى آخر الآية . وصيد البر ما يكون توالده ومثواه في البر ، وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء ، والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة ، واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس الفواسق ، وهي : الكلب العقور ، والذئب ، والحدأة ، والغراب ، والحية والعقرب ، فإنها مبتدئات بالأذى ، والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف ، هو المروي عن أبي يوسف رحمه الله .


فصل

الحديث الثامن : واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس الفواسق ، وهي : الكلب العقور ، [ ص: 249 ] والذئب ، والغراب ، والحدأة ، والحية ، والعقرب ; قلت : اعلم أن هاهنا حديثين : حديثا في جواز قتل هذه الأشياء للمحرم ، وحديثا في جواز قتلها في الحرم ، فهما حديثان متغايران ، لا يقوم أحدهما مقام الآخر ، إذ لا يلزم من جواز قتلها للمحرم ، جواز قتل الحلال لها في الحرم ، ولا من جواز قتل الحلال لها خارج الحرم ، جواز قتل المحرم لها ، فثبت أنهما حكمان ; ويدل على ذلك أنه جمع بينهما في بعض الأحاديث ، وسيأتي الحكم الآخر في " الحديث الحادي عشر " ، أخرجه مسلم عن ابن عمر مرفوعا : { خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام } ، فذكرهما ، فدل على تغايرهما ، وإنما ذكرت ذلك ; لأن بعض الفقهاء وهم في ذلك ، واستدل بأحد الحديثين على الحكم الآخر ، بل في أصحاب الحديث من بوب على أحد الحكمين ، فساق أحاديث الحكم الآخر ، ومنهم من ساق أحاديث الحكمين ، والباب على حكم واحد ، وكل ذلك غير مرض لما بيناه ، والله أعلم ; والحديث أخرجه البخاري ، ومسلم عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : العقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، والغراب ، والحدأة }انتهى .

ذكره البخاري في " بدء الخلق وفي الحج " ، ومسلم في " الحج " ، وأخرجاه أيضا عن زيد بن جبير ، قال : سمعت ابن عمر يقول : حدثتني إحدى نسوة النبي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يقتل المحرم الكلب العقور ، والفأرة ، والعقرب ، والحدأة ، والغراب }" ، زاد فيه مسلم : والحية ، وزاد فيه : قال : وفي الصلاة أيضا ، انتهى .

وأخرج أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم ، قال : يقتل المحرم : الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، والكلب العقور ، والحدأة ، والسبع العادي ، ويرمي الغراب ، ولا يقتله }انتهى . ولم يذكر منه الترمذي غير السبع العادي ، وقال فيه : حسن ، وقال الشيخ في [ ص: 250 ] " الإمام " : وإنما لم يصححه من أجل يزيد بن أبي زياد انتهى .

والغراب المنهي عن قتله في هذا الحديث يحمل على الذي لا يأكل الجيف ، ويحمل المأمور بقتله على الأبقع الذي يأكل الجيف ; كما أشار إليه صاحب الكتاب ، بقوله : والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف ، وأخرج النسائي ، وابن ماجه عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خمس يقتلهن المحرم : الحية ، والفأرة ، والحدأة ، والغراب الأبقع ، والكلب العقور }انتهى .

وورد الحديث غير مقيد بالحرم والإحرام ، أخرجه البخاري ، ومسلم عن ابن عمر عن حفصة مرفوعا : { خمس من الدواب كلها فاسق لا جناح على من قتلهن : العقرب ، والغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والكلب العقور }انتهى .

لم يقل البخاري : كلها فاسق ; وأخرجه مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { خمس من الدواب لا جناح على من قتلها } ، فذكرهن ، قال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " : زاد جماعة عن نافع : ليس في حديث أحد منهم : سمعت النبي عليه السلام ، وأما رواية الذئب ، فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن الحجاج بن أرطاة عن وبرة بن عبد الرحمن ، قال : سمعت ابن عمر يقول : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الذئاب ، والفأرة ، والحدأة ، والغراب }انتهى .

ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " ، وزاد فيه ، قيل له : فالحية ، والغراب ; فقال : كان يقال ذلك انتهى . والحجاج لا يحتج به .

{ حديث آخر } مرسل : رواه أبو داود في " المراسيل " عن سعيد بن المسيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خمس يقتلهن المحرم : الحية ، والعقرب ، والغراب ، والكلب ، والذئب }انتهى .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا محمد بن أبي يحيى عن أبي حرملة أنه سمع ابن المسيب ، فذكره . وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود ، ولم يعله بشيء ; ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، مقتصرا فيه على الذئب ، وأخرج نحوه عن عمرو بن عمر ، وأخرج عن عطاء ، قال : يقتل المحرم الذئب ، وكل [ ص: 251 ] عدو لم يذكر في الكتاب انتهى . قال السرقسطي في " غريبه " : الكلب العقور اسم لكل عاقر ، حتى اللص المقاتل ، وعلى هذا فيستقيم قياس الشافعية على الخمسة ، ما كان في معناها ، ولكن يعكر على هذا عدم إفراده بالذكر ، فإن قالوا : إنه من باب الخاص على العام ، تأكيدا للخاص ، كقوله تعالى : { فيهما فاكهة ونخل ورمان }: قلنا : قد جاء في بعض الروايات مؤخر الذكر متوسطا ، هكذا في " الصحيح " وغيره ، وأيضا ففي مراسيل أبي داود ذكر الكلب من غير وصفه بالعقور ، فعلم أن المراد به الحيوان الخاص ، لا كل عاقر ، والله أعلم ; ثم استدل السرقسطي عن أبي هريرة أنه قال : الكلب العقور الأسد ، وسنده : أخبرنا محمد بن علي ثنا سعيد بن منصور ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن سيلان عن أبي هريرة ، فذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية