نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب الإحصار ( وإذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه عن المضي جاز له التحلل ) وقال الشافعي رحمه الله : ( لا يكون الإحصار إلا بالعدو ، لأن التحلل بالهدي شرع في حق المحصر لتحصيل النجاة وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض ) .

ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة فإنهم قالوا : الإحصار بالمرض والحصر بالعدو والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام والحرج في الاصطبار عليه مع المرض أعظم .

( وإذا جاز له التحلل يقال له : ابعث شاة تذبح في الحرم وواعد من تبعثه بيوم بعينه يذبح فيه ثم تحلل ) وإنما يبعث إلى الحرم ; لأن دم الإحصار قربة ، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان على ما مر فلا يقع قربة دونه فلا يقع به التحلل وإليه الإشارة بقوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } [ ص: 278 ] فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم . وقال الشافعي رحمه الله : لا يتوقت به ; لأنه شرع رخصة والتوقيت يبطل التخفيف قلنا المراعى أصل التخفيف لا نهايته ، وتجوز الشاة ، لأن المنصوص عليه الهدي والشاة أدناه وتجزيه البقرة والبدنة أو سبعهما كما في الضحايا ، وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها ; لأن ذلك قد يتعذر بل له أن يبعث بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك وتذبح عنه ، وقوله ثم تحلل إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير ، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف : عليه ذلك ولو لم يفعل لا شيء عليه ; لأنه عليه الصلاة والسلام حلق عام الحديبية وكان محصرا بها وأمر أصحابه رضي الله عنهم بذلك ، ولهما أن الحلق إنما عرف قربة مرتبا على أفعال الحج فلا يكون نسكا قبلها ، وفعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ليعرف استحكام عزيمتهم على الانصراف .

قال : ( وإن كان قارنا بعث بدمين ) لاحتياجه إلى التحلل من إحرامين ( فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما ) لأن التحلل منهما شرع في حالة واحدة .


[ ص: 272 - 277 ] باب الإحصار

الحديث الأول : روي { أنه عليه السلام حلق عام الحديبية ، وكان محصرا بها ، وأمر أصحابه بذلك }; قلت : تقدم ; وروى البخاري في " الشهادات " عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا ، فحال كفار قريش بينه وبين البيت ، فنحر هديه ، وحلق رأسه [ ص: 278 ] بالحديبية ، وقاضاهم على أن يعتمر العام القابل ، ولا يحمل سلاحا ، ولا يقيم فيها إلا ما أحبوا ، فاعتمر من العام القابل ، فدخلها كما كان صالحهم ، فلما أقام بها ثلاثا ، أمروه أن يخرج ، فخرج } ، انتهى .

وأخرج البخاري ، ومسلم أيضا عنه ، قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر النبي عليه السلام هديه ، وحلق رأسه }انتهى .

وأخرج البخاري عن ابن عباس ، قال : { أحصر النبي عليه السلام ، [ ص: 279 ] فحلق ، وجامع نساءه ، ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا ، وحلق أصحابه } ، تقدم في حديث المسور ، ومروان { أنه عليه السلام قال لأصحابه : قوموا فانحروا ، ثم احلقوا ، إلى أن قال : فخرج حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا } ، الحديث ; وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا محمد بن عمرو بن تمام حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني ميمون بن يحيى عن مخرمة بن بكير عن أبيه ، قال : سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول : قال ابن عمر : { لما حبس كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة عن البيت ، نحر هديه ، وحلق هو وأصحابه ، ثم رجعوا حتى اعتمروا العام القابل }انتهى .

قوله : روي عن ابن عمر ، وابن عباس أن المحصر بالحج إذا تحلل ، فعليه حجة وعمرة ; قلت : ذكره أبو بكر الرازي عن ابن عباس ، وابن مسعود لا غير .

الحديث الثاني : روي { أنه عليه السلام ، وأصحابه أحصروا بالحديبية ، وكانوا عمارا }; قلت : تقدم أول الباب ، واحتج الشيخ في " الإمام " أيضا على مالك بما أخرجه البخاري في " صحيحه " [ ص: 280 ] عن مالك عن نافع { عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا ، فقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بعمرة من أجل أن النبي عليه السلام كان أهل بعمرة عام الحديبية }انتهى .

وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا فهد ثنا علي بن معبد بن شداد العبدي صاحب محمد بن الحسن ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن إبراهيم عن علقمة ، قال : لدغ صاحب لنا ، وهو محرم بعمرة ، فذكرناه لابن مسعود ، فقال : يبعث بهدي ، ويواعد أصحابه موعدا ، فإذا نحر عنه حل انتهى . وبه إلى جرير عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال عبد الله : ثم عليه عمرة بعد ذلك انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية