نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 220 - 221 ] ( التيمم ضربتان : يمسح بإحداهما وجهه ، وبالأخرى يديه إلى المرفقين ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين }وينفض يديه بقدر ما يتناثر التراب كي لا يصير مثلة ، ولا بد من الاستيعاب في ظاهر الرواية لقيامه مقام الوضوء ، ولهذا قالوا : يخلل الأصابع وينزع الخاتم ليتم المسح .


الحديث الثاني : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين [ ص: 222 ] إلى المرفقين }قلت : روي من حديث ابن عمر . ومن حديث جابر . ومن حديث عائشة .

أما حديث ابن عمر ، فرواه في " المستدرك " والدارقطني في " سننه " من حديث علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { التيمم ضربتان : ضربة للوجه . وضربة لليدين إلى المرفقين } ، انتهى .

سكت عنه الحاكم ، وقال : لا أعلم أحدا أسنده عن عبيد الله غير علي بن ظبيان ، وهو صدوق ، وقد وقفه يحيى بن سعيد ، وهشيم ، وغيرهما . ومالك عن نافع .

وقال الدارقطني : هكذا رفعه علي بن ظبيان ، وقد وقفه يحيى بن القطان ، وهشيم ، وغيرهما ، وهو الصواب ، ثم أخرج حديثهما ، وقد ضعف بعضهم هذا الحديث بعلي بن ظبيان قال في " الإمام " قال : ابن نمير يخطئ في حديثه كله .

وقال يحيى بن سعيد ، أو أبو داود : ليس بشيء ، وقال النسائي . وأبو حاتم : متروك ، وقال أبو زرعة : واهي الحديث ، وقال ابن حبان : يسقط الاحتجاج بأخباره ، انتهى .

وكذلك رواه ابن عدي ، وقال : رفعه علي بن ظبيان ، والثقات كالثوري ويحيى القطان وقفوه وضعفه علي بن ظبيان عن النسائي وابن معين ، ووافقهما عليه .

طريق آخر أخرجه الحاكم . والدارقطني أيضا عن سليمان بن أبي داود الحراني عن سالم ، ونافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، سواء .

طريق آخر أخرجه الحاكم ، والدارقطني أيضا عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم به ، قال الدارقطني : سليمان بن أرقم ، وسليمان بن أبي داود ضعيفان .

وقال الحاكم : سليمان بن أرقم وسليمان بن أبي داود ليسا من شروط هذا الكتاب ، ولكن ذكرناهما في الشواهد انتهى .

وأما حديث جابر ، فرواه الحاكم في " المستدرك " أيضا ، والدارقطني في " السنن " من حديث عثمان بن محمد الأنماطي ثنا حرمي بن عمارة عن عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { التيمم ضربة للوجه ، وضربة للذراعين إلى [ ص: 223 ] المرفقين }انتهى .

قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الدارقطني : رجاله كلهم ثقات انتهى .

وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : وعثمان بن محمد متكلم فيه ، وتعقبه صاحب " التنقيح " تابعا للشيخ تقي الدين في " الإمام " وقال ما معناه : إن هذا الكلام لا يقبل منه ، لأنه لم يبين من تكلم فيه ، وقد روى عنه أبو داود . وأبو بكر بن أبي عاصم . وغيرهما ، ذكره ابن أبي حاتم في " كتابه " ولم يذكر فيه جرحا . والله أعلم .

وأما حديث عائشة ، فرواه البزار في " مسنده " حدثنا يحيى بن حكيم ، ومحمد بن معمر ، قالا : ثنا حرمي بن عمارة ثنا الحريش بن الخريت عن ابن أبي مليكة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال { : في التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين }انتهى .

قال البزار : لا نعلمه يروى عن عائشة إلا من هذا الوجه ، والحريش رجل من أهل البصرة أخو الزبير بن الخريت انتهى .

ورواه ابن عدي في " الكامل " وأسند عن البخاري أنه قال : حريش بن الخريت فيه نظر ، قال : وأنا لا أعرف ، فإني لم أعتبر حديثه انتهى كلامه . أحاديث الباب

أخرج أبو داود عن محمد بن ثابت العبدي ثنا { نافع قال : انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس ، فقضى ابن عمر حاجته ، وكان من حديثه يومئذ أن قال : مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من سكك ، وقد خرج من غائط أو بول ، فسلم عليه فلم يرد عليه ، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى عنه ، ضرب بيديه على الحائط ومسح بها وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ، ثم رد على الرجل السلام ، وقال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر }انتهى .

قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وردت هذه الرواية بالكلام في محمد بن ثابت ، فعن يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال أبو حاتم : ليس بالمتين .

وقال البخاري : خولف في حديثه عن نافع عن ابن عمر مرفوعا في " التيمم " وخالفه أيوب ، وعبيد الله ، وغيرهم ، فقالوا : عن نافع عن ابن عمر فعله .

وقال النسائي : محمد بن ثابت يروي عن نافع ، ليس بالقوي ، وقال ابن عدي : عامة حديثه لا يتابع عليه ، قال : وذكر [ ص: 224 ] البيهقي في تقوية هذه الرواية أشياء ذكرها ، ونحن نذكر ما يمكن أن يقوله مخالفوه ، مع الاستعاذة بالله من تقوية الباطل أو تضعيف حق ، قال البيهقي : وقد أنكر بعض الحفاظ رفع هذا الحديث على محمد بن ثابت العبدي ، فقد رواه جماعة عن نافع من فعل ابن عمر ، والذي رواه غيره عن نافع من فعل ابن عمر إنما هو التيمم فقط ، فأما هذه القصة فهي عن النبي صلى الله عليه وسلم مشهورة برواية أبي الجهم ، الحرب بن الصمة . وغيره ، قال الشيخ : وينبغي أن يتأمل فيما أنكره هذا الحافظ ، هل هو أصل القصة أو روايتها من حديث ابن عمر ، أو رفع محمد بن ثابت للمسح إلى المرفقين ، وفي كلام البيهقي إشارة إلى أن المنكر إنما هو رفع مسح اليدين إلى المرفقين ، لا أصل القصة ولا روايتها من حديث ابن عمر ; لأنه قال : والذي رواه غيره عن نافع من فعل ابن عمر إنما هو التيمم فقط ، وكيف يمكن أن يتأتى رواية هذه القصة على هذا الوجه موقوفة على ابن عمر ، فيتعين أن يكون المنكر عند من أنكر هو رفع المسح إلى المرفقين ، وأن التعليل برواية غيره موقوفة ، فإنه إذا كان المشهور أصل القصة من رواية أبي الجهم ، وليس فيها ذكر المرفقين ، فليس ينفع ذلك في تقوية رواية محمد بن ثابت ، بل قد عده خصومه سببا للتضعيف ، وأن الذي في " الصحيح في قصة أبي جهم " : ويديه ، وليس فيه : وذراعيه ، والله أعلم انتهى .

قلت : قال البيهقي في " المعرفة " : وقد أنكر البخاري رحمه الله ، على محمد بن ثابت رفع هذا الحديث ، ورفعه غير منكر ، فقد رواه الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر مرفوعا إلا أنه لم يذكر التيمم ورواه يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن نافع عن ابن عمر ، فذكره بتمامه إلا أنه قال : مسح وجهه ويديه ، والذي تفرد به محمد بن ثابت في هذا الحديث ذكر الذراعين ، ولكن تيمم ابن عمر على الوجه والذراعين ، وفتواه بذلك يشهد بصحة رواية محمد بن ثابت ، لأنه لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ، فدل على أنه حفظه من النبي صلى الله عليه وسلم وأن محمد بن ثابت حفظه من نافع ، والله أعلم انتهى كلامه .

{ حديث آخر } أخرجه الحاكم في " المستدرك " من طريق إبراهيم الحربي ثنا أبو نعيم ثنا عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { جاء رجل ، فقال : أصابتني جنابة ، وإني تمعكت في التراب ، فقال : اضرب هكذا وضرب بيديه الأرض ، فمسح وجهه ، ثم ضرب بيديه ، فمسح بها إلى المرفقين }. انتهى . وقال : إسناده صحيح [ ص: 225 ] انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الطبراني في " معجمه " والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " عن الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن { الأسلع ، قال : أراني رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أمسح ، فضرب بكفيه الأرض رفعهما لوجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى ، فمسح ذراعيه باطنهما وظاهرهما حتى مس بيديه المرفقين } ، زاد الطبراني ، قال الربيع : فأراني أبي التيمم كما أراه أبوه عن الأسلع : ضربة للوجه . وضربة لليدين إلى المرفقين انتهى .

قال البيهقي : الربيع بن بدر ضعيف ، إلا أنه لم يتفرد به ، قال الشيخ في " الإمام " : والربيع بن بدر ، قال فيه أبو حاتم : لا يشتغل به .

وقال النسائي ، والدارقطني : متروك ، وقول البيهقي : إنه لم يتفرد به ، لا يكفي في الاحتجاج حتى ينظر مرتبته ، ومرتبة مشاركه ، فليس كل من يوافق مع غيره في الرواية يكون موجبا للقوة والاحتجاج انتهى كلامه .

{ حديث آخر } أخرجه البزار في " مسنده " من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن { عمار ، قال : كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح بالتراب إذا لم نجد الماء ، فأمرنا فضربنا واحدة للوجه ، ثم ضربة أخرى لليدين إلى المرفقين }انتهى .

قال البزار : وقد روى هذا الحديث جماعة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمار ، فتابعوا ابن إسحاق ، ورواه غير واحد عن الزهري عن عبيد الله عن عمار ، ولم يقل : عن ابن عباس عن عمار انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الدارقطني من حديث أبي عصمة عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي جهم ، قال : { أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر جمل إما من غائط ، وإما من بول ، فسلمت عليه فلم يرد علي وضرب الحائط بيده ضربة فمسح بها وجهه ، ثم ضرب أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين ، ثم رد السلام } ، وأبو عصمة إن كان [ ص: 226 ] هو نوح بن أبي مريم ، فهو متروك .

{ حديث آخر } : رواه البيهقي في " سننه " من حديث المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن ابن المسيب عن أبي هريرة { أن ناسا من أهل البادية أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة ، والأربعة ، ويكون فينا الجنب والنفساء والحائض ، ولسنا نجد الماء ، فقال : عليكم بالأرض ، ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربة واحدة ، ثم ضربة أخرى ، فمسح بها يديه إلى المرفقين }انتهى . والمثنى بن الصباح ضعيف ، وسيأتي الكلام على هذا الحديث بأبسط من هذا في " الحديث الثالث " إن شاء الله تعالى .

أحاديث الضربة الواحدة ، روى الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث عبد الرحمن بن أبزى { أن رجلا أتى عمر ، فقال : إني أجنبت فلم أجد الماء ، فقال : لا تصل ، فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا ، وأنت في سرية ، فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ، ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ، ؟ فقال عمر : نوليك من ذلك ما توليت } ، أخرجوه مختصرا ومطولا .

{ حديث آخر } : روى البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن { شقيق ، قال : كنت جالسا مع عبد الله . وأبي موسى : فقال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا ، كيف يصنع بالصلاة ؟ فقال عبد الله : لا يتيمم ، وإن لم يجد الماء شهرا ، فقال أبو موسى : فكيف بهذه الآية من سورة المائدة { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا }؟ فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد ، فقال أبو موسى لعبد الله : ألم تسمع إلى قول عمار : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ، فأجنبت ، فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد ، كما تمرغ الدابة ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه ، فقال عبد الله : أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟ }انتهى . [ ص: 227 ]

{ حديث آخر } : رواه أحمد في " مسنده " من حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : { في التيمم ضربة للوجه والكفين }انتهى .

أحاديث التيمم إلى المناكب أخرج أبو داود عن الزهري أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر أنه كان يحدث { أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر ، فضربوا بأكفهم الصعيد ، ثم مسحوا بوجوههم مسحة واحدة ، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى ، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم }انتهى .

وأخرجه ابن ماجه ، وهو منقطع ، فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر ، وقد أخرجه النسائي . وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار موصولا .

ورواه أبو داود أيضا من حديث الزهري حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار أتم منه ، ثم قال : وكذلك رواه ابن إسحاق ، قال فيه : عن ابن عباس ، وقال مالك : عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار ، وشك فيه ابن عيينة ، فقال مرة : عن عبيد الله عن أبيه ، وقال مرة : عن ابن عباس .

وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي ، وأبا زرعة عن حديث رواه صالح بن كيسان . وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن عباس عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في " التيمم " فقالا : هذا خطأ ، رواه مالك ، وابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار ، وهو الصحيح ، وهما أحفظ ، فقلت : قد رواه يونس ، وعقيل ، وابن أبي ذئب عن الزهري عن عبيد الله عن عمار ، وهم أصحاب الكتب ، فقالا : مالك صاحب كتاب ، وصاحب حفظ .

وقال الأثرم في هذا الحديث : إنما حكي فيه فعلهم دون النبي صلى الله عليه وسلم كما حكي في الآخر : أنه أجنب ، فعلمه عليه السلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية