نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 324 ] قال : ( ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حالة الإحرام ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يجوز وتزويج الولي المحرم وليته على هذا الخلاف . له قوله عليه الصلاة والسلام : { لا ينكح المحرم ولا ينكح }ولنا ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام تزوج بميمونة وهو محرم }وما رواه محمول على الوطء .


الحديث السادس : قال عليه السلام : { لا ينكح المحرم ، ولا ينكح }; قلت : رواه الجماعة إلا البخاري { عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبيد الله أرسله إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله وأبان يومئذ أمير الحاج ، وهما محرمان : إني أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير ، فقال أبان : سمعت أبي عثمان بن عفان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينكح المحرم ، ولا ينكح }: زاد مسلم ، وأبو داود في رواية : ولا يخطب ; وزاد ابن حبان في " صحيحه " : { ولا يخطب عليه }انتهى .

الآثار : روى مالك في " الموطأ " عن داود بن حصين أن أبا غطفان المري أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة ، وهو محرم ، فرد عمر بن الخطاب نكاحه انتهى .

الحديث السابع : روي { أنه عليه السلام تزوج بميمونة ، وهو محرم }; قلت : رواه [ ص: 325 ] الأئمة الستة في " كتبهم " عن طاوس عن ابن عباس ، قال : { تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم }انتهى . زاد البخاري : { وبنى بها وهو حلال ، وماتت بسرف }انتهى .

وأخرج أيضا عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف }انتهى .

وله عنه أيضا ، قال : { تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة في عمرة القضاء } ، ولم يصل سنده به ، ذكرها في عمرة القضاء ، أخرجه مسلم ، وابن ماجه في " النكاح " ، والباقون في " الحج " ; وأخرج الدارقطني من طريق ضعيف عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم }; وأخرج البزار في " مسنده " عن مسروق عن عائشة { أنه عليه السلام تزوج وهو محرم ، واحتجم وهو محرم } ، قال السهيلي في " الروض الأنف " : إنما أرادت نكاح ميمونة ، ولكنها لم تسمها انتهى .

أحاديث الخصوم المعارضة : روى مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن يزيد بن الأصم ، قال : حدثتني { ميمونة بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال . قال : وكانت خالتي ، وخالة ابن عباس }انتهى بلفظ مسلم . وفي لفظ له : { وبنى بها وهو حلال }; ولفظ أبي داود { قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف }انتهى . زاد أبو يعلى الموصلي في " مسنده " { بعد أن رجعنا من مكة }انتهى .

ثم [ ص: 326 ] أسند أبو داود عن سعيد بن المسيب ، قال : وهم ابن عباس في تزويج ميمونة ، وهو محرم انتهى .

وأخرج الطحاوي عن عمرو بن دينار حدثني ابن شهاب عن يزيد بن الأصم { أنه عليه السلام نكح ميمونة ، وهما حلالان }.

قال عمرو : فقلت للزهري : وما يدري ابن [ ص: 327 ] الأصم ، أعرابي بوال على عقبيه ، أتجعله مثل ابن عباس ؟ انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن حماد بن زيد ثنا مطر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع { أنه عليه السلام تزوج ميمونة وهو حلال ، وبنى عليها وهو حلال ، وكنت أنا الرسول بينهما } ، انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " عن ابن خزيمة بسنده عن حماد بن زيد به ، قال الترمذي : حديث حسن ، ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد عن مطر .

ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلا انتهى .

قال الترمذي : وقد اختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة ; لأنه عليه السلام تزوجها في طريق مكة ، فقال بعضهم : تزوجها حلالا ، وظهر أمر تزويجها ، وهو محرم ثم بنى بها ، وهو حلال بسرف في طريق مكة ، وماتت ميمونة بسرف حيث بنى بها ، ودفنت بسرف انتهى .

وقال ، ابن حبان : وليس في هذه الأخبار تعارض ، ولا أن ابن عباس ، وهم ، لأنه أحفظ وأعلم من غيره : ولكن عندي أن معنى قوله : تزوج وهو محرم ، أي داخل في الحرم ، كما يقال : أنجد ، وأتهم ، إذا دخل نجدا ، وتهامة ، وذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج إلى مكة في عمرة القضاء ، فبعث من المدينة أبا رافع ، ورجلا من الأنصار إلى مكة ليخطبا ميمونة له ، ثم خرج وأحرم ، فلما دخل مكة طاف وسعى وحل من عمرته ، وتزوج بها ، وأقام بمكة ثلاثا ، ثم سأله أهل مكة الخروج ، فخرج حتى بلغ سرف ، فبنى [ ص: 328 ] بها ، وهما حلالان }; فحكى ابن عباس نفس العقد ، وحكت ميمونة عن نفسها القصة على وجهها ، وهكذا أخبر أبو رافع ، وكان الرسول بينهما ، فدل ذلك مع نهيه عليه السلام عن نكاح المحرم وإنكاحه على صحة ما ادعيناه انتهى كلامه .

{ حديث آخر } : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن عمر والبزار ثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي عن أبيه عن سلام أبي المنذر عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة ، وهو حلال }انتهى .

ثم أخرجه عن ابن عباس من خمسة عشر طريقا { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها ، وهو محرم } ، وفي لفظ : { وهما حرامان }; وقال : هذا هو الصحيح انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الطبراني في " معجمه " عن صفية بنت شيبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال }.

حديث يخالف ما تقدم : رواه مالك في " الموطأ " نقلا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار ، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ، ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحارث ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج }انتهى .

قال النووي في " شرح مسلم " : وعن حديث ميمونة أجوبة ، أصحها أنه إنما تزوجها حلالا ، هكذا رواه أكثر الصحابة ، قال القاضي ، وغيره : لم يرو أنه تزوجها محرما غير ابن عباس وحده ; وروت ميمونة ، وأبو رافع ، وغيرهما أنه تزوجها حلالا ، وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به ، وهم أضبط وأكثر ; الثاني : أنه تزوجها في الحرم وهو حلال ، ويقال لمن هو في الحرم : محرم ، وإن كان حلالا ، قال الشاعر :

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ودعا فلم أر مثله مخذولا

أي في الحرم انتهى .

قلت : وجدت في " صحاح الجوهري " ما يخالف ذلك ، [ ص: 329 ] فإنه قال : أحرم الرجل إذا دخل في الشهر الحرام ، وأنشد البيت المذكور على ذلك ، وأيضا فلفظ البخاري : { أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال } ، يدفع هذا التفسير ، أو يبعده ، وقال صاحب " التنقيح " : وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عباس : وهو محرم ، أي في شهر حرام ، ثم أنشد البيت ، ثم نقل عن الخطيب البغدادي أنه روى بسنده عن إسحاق الموصلي ، قال : سأل هارون الرشيد الأصمعي بحضرة الكسائي ، عن قول الشاعر :

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

فقال الأصمعي : ليس معنى هذا أنه أحرم بالحج ، ولا أنه في شهر حرام ، ولا أنه في الحرم ، فقال الكسائي : ويحك ; فما معناه ؟ قال الأصمعي : فما أراد عدي بن زيد بقوله :

قتلوا كسرى بليل محرما     فتولى لم يمتع بكفن

أي إحرام لكسرى ؟ فقال : الرشيد : فما المعنى ؟ قال : كل من لم يأت شيئا يوجب عليه عقوبة فهو محرم ، لا يحل منه شيء ، فقال له الرشيد : أنت لا تطاق انتهى .

قال النووي : والثالث من الأجوبة عن حديث ميمونة : أن الصحيح عن الأصوليين تقديم القول إذا عارضه الفعل ، لأن القول يتعدى إلى الغير ، والفعل قد يقتصر عليه ، قال : والرابع : أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

وقال الطحاوي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " : والأخذ بحديث أبي رافع أولى ، لأنه كان السفير بينهما ، وكان مباشرا للحال ، وابن عباس كان حاكيا ، ومباشر الحال مقدم على حاكيه ، ألا ترى عائشة كيف أحالت على علي حين سألت عن مسح الخف ، وقالت : سلوا عليا ، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية