نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 388 ] باب نكاح الرقيق ( لا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما ) وقال مالك رحمه الله : يجوز للعبد ; لأنه يملك الطلاق فيملك النكاح . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " { أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر }" ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما فلا يملكانه بدون إذن مولاهما ( وكذلك المكاتب ) ; لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الكسب فبقي في حق النكاح على حكم الرق ولهذا لا يملك المكاتب تزويج عبده ، ويملك تزويج أمته ; لأنه من باب الاكتساب وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى وتملك تزويج أمتها لما بينا ( و ) كذا ( المدبر وأم الولد ) ; لأن الملك فيهما قائم .


باب نكاح الرقيق

الحديث الأول : قال عليه السلام : " { أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر }" ; قلت : روي من حديث جابر ; ومن حديث ابن عمر .

أما حديث جابر : فأخرجه الترمذي عن ابن جريج عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر }" انتهى .

وقال : حديث حسن صحيح ; ورواه الحاكم في " المستدرك " ; وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، انتهى .

وأخرجه الترمذي أيضا عن زهير بن محمد عن ابن عقيل عن جابر به ، وقال : حديث حسن انتهى . هكذا وجدته في عدة نسخ ، وشيخنا أبو الحجاج المزي لم ينقل عنه في " أطرافه " إلا التحسين فقط ، تابعا [ ص: 389 ] لابن عساكر في " أطرافه " ، وكذلك المنذري في " مختصره " مقلدا " للأطراف " ، كما هو عادته ، فاعلم ذلك ; قال الترمذي : وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عمر ، ولا يصح ، إنما هو من رواية عبد الله عن جابر انتهى .

وأما حديث ابن عمر : فله طريقان : أحدهما : عند أبي داود عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل }" انتهى .

قال أبو داود : هذا حديث ضعيف ، وهو موقوف من قول ابن عمر انتهى .

الطريق الآخر : رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا أزهر بن مروان عن عبد الوارث بن سعيد عن القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عمر مرفوعا : { إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهرا }انتهى .

وهذه الطرق التي أشار إليها الترمذي [ ص: 390 ] في " كتابه " ; وقال الترمذي في " علله الكبرى " : سألت محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، فقال : رأيت أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، والحميدي يحتجون بحديثه ، وهو مقارب الحديث انتهى .

وقال الدارقطني في " علله " : هذا حديث رواه ابن جريج عن موسى بن عقبة ، واختلف عن ابن جريج ، فرواه مندل بن علي ، ويحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر [ ص: 391 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم ووهما في رفعه ، والصواب ما رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا ; ورواه أبو عاصم ، وحجاج ، وعبد الرزاق عن ابن جريج به موقوفا ، وهو الصواب انتهى .

وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبدا له تزوج بغير إذنه ، ففرق بينهما ، وأبطل صداقه ، وضربه حدا انتهى .

بالحديث الثاني : قال عليه السلام لبريرة ، حين عتقت : ملكت بضعك فاختاري ; [ ص: 392 ] قلت : أخرجه الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة : اذهبي ، فقد عتق معك بضعك انتهى .

وروى ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة لما أعتقت : قد عتق بضعك معك ، فاختاري ، }انتهى .

وهذا مرسل ; وروى البخاري ، ومسلم عن القاسم عن عائشة ، قالت : { كان في بريرة ثلاث سنن : أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا ولاءها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشتريها وأعتقيها ، فإن الولاء لمن أعتق ، وعتقت ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها ، فاختارت نفسها ، وكان الناس يتصدقون عليها ، وتهدي لنا ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : هو عليها صدقة ، ولنا هدية }انتهى . رواه البخاري في " النكاح والطلاق " ، ومسلم في " العتق " ; ورواه الباقون كذلك في [ ص: 393 ] الطلاق " خلا الترمذي فإنه أخرجه في " الرضاع " عن الأسود عن عائشة ، واختلفت الروايات في زوج بريرة ، هل كان حرا أو عبدا حين خيرت ؟ فإن أصحابنا لا يفرقون بين الحر والعبد في ثبوت الخيار لها ، والشافعي يقول : لها الخيار في العبد ، دون الحر ، والله أعلم .

الأحاديث في أنه كان حرا : روى الجماعة إلا مسلما من حديث إبراهيم عن الأسود عن { عائشة ، قالت : يا رسول الله إني اشتريت بريرة لأعتقها ، وإن أهلها يشترطون ولاءها ، فقال : أعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق ، قال : فاشترتها فأعتقتها ، قالت : وخيرت ، فاختارت نفسها ، وقالت : لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه ، قال الأسود : وكان زوجها حرا }انتهى بلفظ البخاري . ثم قال : وقول الأسود منقطع ، وقول ابن عباس : رأيته عبدا أصح انتهى .

هكذا أخرجه في " كتاب الفرائض " عن منصور عن إبراهيم به ، وأخرجه أيضا عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم به ; وفي آخره : قال الحكم : وكان [ ص: 394 ] زوجها حرا ، قال البخاري : وقول الحكم مرسل ، انتهي .

ولفظ أبي داود : { إن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت ، وأنها خيرت ، فقالت : ما أحب أن أكون معه ، وإن لي كذا وكذا }انتهى .

أخرجه في " الطلاق " عن منصور عن إبراهيم به ; ولفظ الترمذي : قالت : { كان زوج بريرة حرا ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى . أخرجه في " الرضاع " عن الأعمش عن إبراهيم به ، وكذلك أخرجه ابن ماجه في " الطلاق { أنها أعتقت بريرة ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لها زوج حر }انتهى .

وأخرجه النسائي أيضا في " الطلاق " عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم به ، ورواه في " كتاب الكنى " من حديث أبي معشر عن إبراهيم النخعي عن علقمة ، والأسود أنهما سألا عائشة عن زوج بريرة ، فقالت : كان حرا يوم أعتقت ، انتهى .

طريق آخر : أخرجه مسلم عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم سمعت القاسم يحدث { عن عائشة أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق ، فاشترطوا ولاءها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشتريها وأعتقيها ، فإن الولاء لمن أعتق ، وأهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم ، فقيل له : هذا تصدق به على بريرة ; فقال : هو لها صدقة ، ولنا هدية ، وخيرت }قال عبد الرحمن : وكان زوجها حرا ، قال شعبة : ثم سألته عن زوجها ، فقال : لا أدري ، [ ص: 395 ] انتهى .

وفي البخاري في " الهبة " ، فقال عبد الرحمن : زوجها حر ، قال شعبة ثم سألته عن زوجها ، فقال : لا أدري ، أحر أم عبد ؟ ، مختصر .

الأحاديث في أنه كان عبدا : أخرج الجماعة إلا مسلما عن عكرمة عن ابن عباس { أن زوج بريرة كان عبدا أسود يقال له : مغيث ، كأني أنظر إليه يطوف خلفها [ ص: 396 ] يبكي ودموعه تسيل على لحيته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس : يا عباس ، ألا تعجب من شدة حب مغيث بريرة ، ومن شدة بغض بريرة مغيثا ؟ فقال لها عليه السلام : لو راجعتيه ؟ قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأمرني به ؟ فقال عليه السلام : إنما أنا شافع ، قالت : لا حاجة لي فيه }انتهى .

أخرجه البخاري في " الخلع " ، وأخرجه الترمذي في " الرضاع " عن أيوب ، وقتادة عن عكرمة به ; وأخرجه أبو داود في " الطلاق " عن قتادة به ; وأخرجه ابن ماجه في " الطلاق " عن خالد الحذاء عن عكرمة به ; وأخرجه النسائي في " القضاء " عن خالد الحذاء به ; وزاد فيه الدارقطني : وأمرها أن تعتد عدة الحرة ، هكذا عزاه عبد الحق في " أحكامه " للدارقطني ، ولم أجده ، فليراجع ، لكنه في ابن ماجه من حديث عائشة ، وأمرها أن تعتد بثلاث حيض .

{ حديث آخر } : أخرجه مسلم ، وأبو داود عن هشام بن عروة عن عروة { عن عائشة ، محيلا على ما قبله في قصة بريرة ، وزاد : قال : وكان زوجها عبدا ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ، ولو كان حرا لم يخيرها }انتهى .

وهذا الأخير من كلام عروة قطعا ، لوجهين : أحدهما : أن قال : فاعله مذكور ; الثاني : أن النسائي رواه مصرحا به ، ولفظه : قال عروة : ولو كان حرا ما خيرها ، وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع التاسع ، من القسم الخامس ، بلفظ النسائي ، وأخرجه أبو داود أيضا بهذا [ ص: 397 ] الإسناد ، وزاد في آخره ، وقال لها عليه السلام : إن قربك فلا خيار لك انتهى .

طريق آخر : أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي عن سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة { أن بريرة خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبدا }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن زوج بريرة كان عبدا ، وقال : إسناده صحيح ، قال الطحاوي ، وإذا اختلفت الآثار وجب التوفيق فيها ، فنقول : إنا وجدنا الحرية تعقب الرق ، ولا ينعكس ، فيحمل على أنه كان حرا عندما خيرت ، عبدا قبله ، ولو ثبت أنه عبد ، فلا ينفي الخيار لها تحت الحر ، إذ لم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما خيرها ، لكونه عبدا ، قال : ومن جهة النظر أيضا ، فقد رأينا الأمة في حال رقها لمولاها ، أن يعقد النكاح عليها للحر والعبد ، ورأيناها بعدما يعتق ليس له أن يستأنف عليها عقد نكاح ، لا لحر ولا لعبد ، فاستوى حكم ما إلى المولى في العبيد ، والأحرار ، وما ليس إليه فيهما ، ورأيناها إذا أعتقت بعد عقد المولى عليها نكاح العبد ، يكون لها الخيار ، فجعلناه كذلك في جانب الحر قياسا ونظرا ، ثم أسند عن طاوس أنه قال : للأمة الخيار إذا أعتقت ، وإن كانت تحت قرشي ، وفي لفظ : قال لها : الخيار في الحر والعبد ، [ ص: 398 ] قال : وأخبرني الحسن بن مسلم مثل ذلك انتهى كلامه . قلت : أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن طاوس كذلك باللفظين المذكورين ; وأخرج عن ابن سيرين ، قال : تخير ، حرا كان زوجها أو عبدا ، وأخرج نحوه عن الشعبي ، وأخرج عن مجاهد ، قال : تخير ، ولو كانت تحت أمير المؤمنين انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية