نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 396 - 398 ] باب نكاح أهل الشرك ( وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه ) وهذا عند أبي حنيفة . وقال زفر رحمه الله : النكاح فاسد في الوجهين إلا أنه لا يتعرض له قبل الإسلام والمرافعة إلى الحكام . وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللهفي الوجه الأول كما قال أبو حنيفة رحمه الله ، وفي الوجه الثاني كما قال زفر رحمه الله : له إن الخطابات عامة على ما مر من قبل فتلزمهم وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا لا تقريرا ، فإذا ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق . ولهما أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها فكانوا ملتزمين لها ، وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات . ولأبي حنيفة رحمه الله أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع ; لأنهم لا يخاطبون بحقوقه ، ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج ; لأنه لا يعتقده ، [ ص: 399 ] بخلاف ما إذا كانت تحت مسلم ; لأنه يعتقده . وإذا صح النكاح فحالة المرافعة والإسلام حالة البقاء والشهادة ليست شرطا فيها ، وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة .


باب نكاح أهل الشرك قوله : وإذا تزوج الكافر بغير شهود ، أو في عدة كافر ، وذلك في دينهم جائز ، ثم أسلما أقرا عليه ; قلت : في صحة أنكحة الكفار أحاديث ، قال البيهقي في " المعرفة " : استدل الشافعي على صحة أنكحة المشركين بحديث اليهوديين اللذين رجمهما النبي صلى الله عليه وسلم على الزنا ، قال : لأن النكاح لو لم يحلها له لما جرى الإحصان عليهما انتهى .

وحديث اليهوديين صحيح ثابت ، أخرجه البخاري ، ومسلم من حديث ابن عمر ، [ ص: 399 ] وسيأتي في " الحدود " .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص بالنكاح الأول . لم يحدث شيئا }انتهى .

وفي حديث الترمذي : بعد ست سنين ، وفي حديث ابن ماجه : بعد سنتين ، وروايتان عند أبي داود ، قال الترمذي : لا بأس بإسناده ، وسمعت عبد بن حميد يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول : حديث ابن عباس هذا أجود إسنادا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عليه السلام ردها له بنكاح جديد ، ولكن لا يعرف وجه حديث ابن عباس ، ولعله جاء من داود بن حصين من قبل حفظه ، انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط مسلم انتهى .

وحديث عمرو بن شعيب المذكور أخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بنكاح جديد } ، زاد الترمذي : ومهر جديد ، قال الترمذي : في إسناده مقال انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وسكت عنه ، ولفظه : قال : { أسلمت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم قبل زوجها أبي العاص بسنة ، ثم أسلم أبو العاص فردها له النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد }انتهى . قال الخطابي : إن صح حديث ابن عباس فيحتمل أن تكون عدتها تطاولت لاعتراض سبب حتى بلغت المدة المذكورة ، وحديث عمرو بن شعيب ضعيف بالحجاج بن أرطاة ، فإنه معروف بالتدليس ; وحكي عن يحيى بن سعيد أنه قال : لم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب ; وقال عبد الحق في " أحكامه " : حديث ابن عباس فيه محمد بن إسحاق ، ولا أعلم رواه معه إلا من هو دونه ، ثم نقل عن ابن عبد البر أنه قال : هو حديث منسوخ عند الجميع ، قال : لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد [ ص: 400 ] خروجها من عدتها ، وأما حجاج بن أرطاة فلا يحتج بحديثه ، انتهى . وقال البيهقي في " المعرفة " : لو صح الحديثان لقلنا بحديث عمرو بن شعيب ; لأن فيه زيادة ، ولكن لم يثبته الحفاظ ، فتركناه ، وأخذنا بحديث ابن عباس ، قال : وادعى بعض من يسوي الأخبار على مذهبه نسخ حديث ابن عباس بحديث عمرو بن شعيب ، وروي في ذلك عن الزهري ، وقتادة { أن أبا العاص أخذ أسيرا يوم بدر فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه ابنته ، وكان قبل نزول الفرائض } ، قال : وهذا منقطع لا يقوم به حجة ، والمعروف عند أهل المغازي أنه [ ص: 401 ] لم يسلم يوم بدر ، وإنما أسلم بعدما أخذت سرية زيد بن حارثة ما معه ، فأتى المدينة ، فأجارته زينب فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها ، ثم دخل عليها ، فقال لها : أي بنية ، أكرمي مثواه ولا يدن إليك ، فإنك لا تحلين له ; وكان هذا بعد نزول آية الامتحان في الهدنة ، ثم إنه رجع ، بما كان عنده من بضائع أهل مكة إلى مكة ، ثم أسلم وخرج إلى المدينة ، وإنما الذي في قصة بدر أنه عليه السلام لما أسره يوم بدر أطلقه ، وشرط عليه أن يرد إليه ابنته ، وكانت بمكة ، هذا هو المعروف عند أهل المغازي ، فإن قال : إن في حديث ابن عباس ردها عليه بعد ست سنين ، وفي رواية سنتين ، والعدة لا تبقى في الغالب هذه المدة ; قلنا : [ ص: 402 ] النكاح كان باقيا إلى وقت نزول الآية ، وذلك بعد صلح الحديبية ، وهي آية الممتحنة ، فلم يؤثر فيها إسلامها ، وبقاؤه على الكفر ، فلما نزلت الآية توقف نكاحها والله أعلم على انقضاء العدة ، ثم كان إسلام أبي العاص بعد ذلك بزمان يسير ، بحيث يمكن عدتها لم تنقض في الغالب ، فيشبه أن يكون الرد بالنكاح الأول كان لأجل ذلك ، والله أعلم ; قال : وحكي عن بعض أكابرهم في الجمع بين الحديثين بأن عبد الله بن عمرو علم بتحريم الله تعالى رجوع المؤمنات إلى الكفار ، فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد ، فقال : ردها عليه بنكاح جديد ، ولم يعلم ابن عباس بتحريم المؤمنات على الكفار حين علم برد زينب على أبي العاص ، فقال : ردها بالنكاح الأول ; لأنه لم يكن عنده بينهما [ ص: 403 ] فسخ نكاح ، قال : وهذا فيه سوء ظن بالصحابة ، ورواة الأخبار حيث نسبهم إلى رواية الحديث من غير سماعهم له ، بل بما عندهم من العلم معاذ الله انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الشافعي ، ومن طريقه البيهقي : حدثنا يوسف بن خالد السمتي عن يحيى بن أبي أنيسة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقتين ، وفي الإسلام تطليقة ، فألزمه الطلاق }انتهى . قال البيهقي : ويوسف متروك ، ويحيى ضعيف انتهى .

{ حديث آخر } : رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا معن بن عيسى ثنا مالك بن أنس عن الزهري { أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام كانت تحت عكرمة بن أبي جهل ، فأسلمت يوم الفتح بمكة ، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل حتى قدم اليمن ، فرحلت إليه امرأته باليمن ، ودعته إلى الإسلام ، فأسلم ، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بايعه ، فثبتا على نكاحهما ذلك ، }انتهى .

وروي بهذا الإسناد { أن صفوان بن أمية أسلمت امرأته ابنة الوليد بن المغيرة زمن الفتح ، فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، واستقرت عنده حتى أسلم صفوان ، وكان بين إسلامهما نحو من شهر } ، مختصر .

{ حديث آخر } : أخرجه البيهقي في سننه " ، والطبراني في " معجمه " عن هشيم حدثني المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال : قال صلى الله عليه وسلم : " { ما ولدني شيء من سفاح الجاهلية ، وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام }" انتهى .

وروى ابن الجوزي في " التحقيق " من طريق الواقدي حدثني محمد بن أخي الزهري عن عمه عن عروة عن عائشة مرفوعا : { خرجت من نكاح غير سفاح }قال في " التنقيح " : الواقدي متكلم فيه ، وفي الأول المديني ، وهو إن كان والد علي فهو ضعيف . وكذا إن كان إبراهيم بن أبي يحيى ، وقال الطبراني : هو عندي فليح بن سليمان ، وأبو الحويرث اسمه : عبد الرحمن بن معاوية ، وهو متكلم فيه انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية