نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 452 ] باب تفويض الطلاق فصل في الاختيار ( وإذا قال لامرأته : اختاري ينوي بذلك الطلاق أو قال لها : طلقي نفسك ، فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك ، فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها ) لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولأن تمليك الفعل منها ، والتمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع ، لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه وتارة بالاشتغال بعمل آخر إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة ومجلس القتال غيرهما ( ويبطل خيارها بمجرد القيام ) لأنه دليل الإعراض بخلاف الصرف والسلم ; لأن المفسد هناك الافتراق من غير قبض ، ثم لا بد من النية في قوله اختاري ; لأنه يحتمل تخييرها في نفسها ، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره ( فإن اختارت نفسها في قوله اختاري كانت واحدة بائنة ) والقياس أن لا يقع بهذا شيء وإن نوى الزوج الطلاق ; لأنه لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ فلا يملك التفويض إلى غيره ، إلا أنا [ ص: 453 ] استحسناه لإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولأنه بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم ، ثم الواقع بها بائن ; لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها وذلك في البائن ( ولا يكون ثلاثا وإن نوى الزوج ذلك ) لأن الاختيار لا يتنوع بخلاف الإبانة ; لأن البينونة قد تتنوع قال : ( ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها حتى لو قال لها اختاري فقالت قد اخترت فهو باطل ) لأنه عرف بالإجماع ، وهو في المفسرة من أحد الجانبين ، ولأن المبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم الآخر ولا تعيين مع الإبهام .


باب تفويض الطلاق

قوله : روي أن الصحابة أجمعوا على أن المخيرة لها الخيار ما دامت في مجلسها ; قلت : فيه عن ابن مسعود ، وجابر وعمر ، وعثمان ، وعبد الله بن عمرو بن العاص .

فحديث ابن مسعود : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح [ ص: 453 ] عن مجاهد عن ابن مسعود ، قال : إذا ملكها أمرها فتفرقا قبل أن تقضي بشيء ، فلا أمر لها انتهى .

ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ، قال البيهقي : فيه انقطاع بين مجاهد ، وابن مسعود .

وحديث جابر : رواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، قال : إذا خير الرجل امرأته فلم تختر في مجلسها ذلك فلا خيار لها ، انتهى .

وحديث عمر ، وعثمان : رواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في " مصنفيهما " حدثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، قالا : أيما رجل ملك امرأته أمرها وخيرها ، ثم افترقا من ذلك المجلس : فليس لها خيار ، وأمرها إلى زوجها انتهى . قال البيهقي : والمثنى بن الصباح ضعيف ، ومن طريق ابن أبي شيبة رواه في " المعرفة " .

وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص : رواه ابن أبي شيبة أيضا عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ، قال في الرجل يخير [ ص: 454 ] امرأته : لها الخيار ما دامت في مجلسها انتهى .

والحجاج ضعيف ; وأخرج ابن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد ، وجابر بن زيد والشعبي والنخعي وعطاء وطاوس ، قال البيهقي : وقد تعلق بعض من يجعل لها الخيار ولو قامت من المجلس بحديث تخيير عائشة ، وهو في " الصحيحين " إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك وهذا غير ظاهر ، لأنه عليه السلام لم يخيرها في إيقاع الطلاق بنفسها ، وإنما خيرها على أنها إن اختارت نفسها أحدث لها طلاقا ، لقوله تعالى: { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } .

التالي السابق


الخدمات العلمية