نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( وعدة الأمة شهران وخمسة [ ص: 525 ] أيام ) لأن الرق منصف . ( وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها ) لإطلاق قوله تعالى: { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي [ ص: 526 ] في سورة البقرة ، وقال عمر رضي الله عنه : لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها ، وحل لها أن تتزوج .


قوله : قال ابن مسعود : من شاء باهلته : أن سورة النساء القصرى ، نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة ; قلت : أخرجه البخاري في " تفسير سورة الطلاق وفي أوائل البقرة " عنه ، قال : أتجعلون عليها التغليظ ، ولا تجعلون لها الرخصة ؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }انتهى .

وأخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه بلفظ " من شاء لاعنته : لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة أشهر وعشرا انتهى .

وأخرجه البزار في " مسنده " عن علقمة عنه بلفظ : من شاء حالفته أن { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }نزلت بعد آية المتوفى ، فإذا وضعت المتوفى عنها حملها ، فقد حلت ، وقرأ { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا }الآية انتهى .

وروى عبد الله بن أحمد في " مسند أبيه " من حديث المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، وعن { أبي بن كعب ، قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }المطلقة ثلاثا ، أو المتوفى عنها ؟ فقال : هي المطلقة ثلاثا ، والمتوفى عنها }انتهى .

والمثنى بن الصباح متروك بمرة ; ورواه الطبري ، وابن أبي حاتم في " تفسيريهما في سورة الطلاق " من حديث ابن لهيعة عن عمرو به ، وابن لهيعة أيضا ضعيف ; ورواه الطبري أيضا من حديث ابن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن { أبي بن كعب ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ; فقال : أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها ، }انتهى . [ ص: 526 ] وعبد الكريم مع ضعفه لم يدرك أبيا .

قوله : قال عمر رضي الله عنه : لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها ، وحل لها أن تتزوج ; قلت : رواه مالك في " الموطأ " عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها ، وهي حامل ، فقال : إذا وضعت حملها فقد حلت ، فأخبره رجل من الأنصار أن عمر ، قال : لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن بعد [ ص: 527 ] لحلت انتهى .

وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن معمر عن أيوب عن نافع به ، سواء ; ورواه هو ، وابن أبي شيبة في " مصنفيهما " عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم ، قال : سمعت رجلا من الأنصار يحدث ابن عمر يقول : سمعت أباك يقول : لو وضعت المتوفى عنها زوجها ذا بطنها ، وهو على السرير لقد حلت انتهى . وفيه رجل مجهول .

أحاديث الباب : منها حديث سبيعة الأسلمية ، أخرجه البخاري ، ومسلم عن كريب مولى ابن عباس عن أم سلمة ، قال : { إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال ، وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج }انتهى .

وفي لفظ للبخاري : { أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة ، }وفي لفظ آخر : { فمكثت قريبا من عشر ليال ، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : انكحي }انتهى .

وأخرجه البخاري ، ومسلم أيضا { عن عمر بن عبد الله بن الأرقم أنه دخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فسألها عن حديثها ، فأخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ، وهو من بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدرا ، فتوفي عنها في حجة الوداع ، وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما فرغت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها : ما لي أراك متجملة ، لعلك ترجين النكاح ؟ والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر : قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي ، حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي } ، قال ابن شهاب : ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت ، وإن كانت في دمها ، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر انتهى .

وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة مسلم من رواية { سبيعة ، أنها نفست بعد وفاة [ ص: 528 ] زوجها بليال } ، إلى آخره ; وتعقبه ابن القطان في " كتابه " ، وقال : إن هذا خطأ ، فإن سبيعة لم ترو هذا الحديث ، ولا رواه أحد عنها ، وإنما هي صاحبة القصة ، كأبي جهم في قصة الأنبجانية ، وذي اليدين في قصة السهو ، فلو روى راو حديث السهو عن ذي اليدين ، أو حديث الأنبجانية عن أبي الجهم ، لكان مخطئا ، فكذلك هذا ، وإنما راويه أم سلمة ، ثم ذكر لفظ " الصحيحين " فيه من جهة أم سلمة ، انتهى .

وهذا وهم فاحش ، فقد أخرجاه من حديثها ، كما قدمناه ، وكذا رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث ، وقد ذكره أصحاب الأطراف في " مسندها " ، وكذلك الحميدي في " الجمع بين الصحيحين " .

{ حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في " مصنفيهما " ، قال الأول : حدثنا محمد بن بشر العبدي ; وقال الثاني : حدثنا سفيان الثوري ، قالا : ثنا عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه { عن الزبير بن العوام أنه كانت تحته أم كلثوم ، وكان فيه شدة على النساء ، فكرهته ، فسألته أن يطلقها ، وهي حامل ، فأبى ، فلما ضربها الطلق ألحت عليه في تطليقه ، فطلقها واحدة ، وهو يتوضأ ، ثم خرج ، فأدركه إنسان ، فأخبره أنها وضعت ، فقال : خدعتني خدعها الله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : سبق كتاب الله فيها ، اخطبها ، فقال : إنها لا ترجع إلي أبدا }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية