نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 279 - 280 ] ( وليس لهم مس المصحف إلا بغلافه ، ولا أخذ درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته ، وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه ) لقوله عليه الصلاة والسلام : " { لا يمس القرآن إلا طاهر }" ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في حكم المس ، والجنابة حلت الفم دون الحدث ، فيفترقان في حكم القراءة . وغلافه : ما يكون متجافيا عنه دون ما هو متصل به كالجلد المشرز ، هو الصحيح ، ويكره مسه بالكم هو الصحيح ; لأنه تابع له ، بخلاف كتب الشريعة لأهلها حيث يرخص في مسها بالكم ; لأن فيه ضرورة ، ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان ; لأن في المنع تضييع حفظ القرآن ، وفي الأمر بالتطهير حرجا بهم ، وهذا هو الصحيح .


الحديث الخامس :

قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { لا يمس القرآن إلا طاهر }" ، قلت : روي من حديث عمرو بن حزم ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث حكيم بن حزام ، ومن حديث عثمان بن أبي العاص ، ومن حديث ثوبان . أما حديث عمرو بن حزم ، فرواه النسائي في " سننه " في " كتاب الديات " وأبو داود في " المراسيل " من حديث محمد بن بكار بن بلال عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن في السنن ، والفرائض ، والديات أن لا يمس القرآن إلا طاهر }انتهى .

وروياه أيضا من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة ثنا سليمان بن داود الخولاني حدثنا الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم [ ص: 281 ] عن أبيه عن جده بنحوه . قال أبو داود : وهم فيه الحكم بن موسى " يعني في قوله : سليمان بن داود " وإنما هو سليمان بن أرقم ، وقال النسائي : الأول أشبه بالصواب ، وسليمان بن أرقم متروك انتهى .

وبالسند الثاني ، رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والثلاثين ، من القسم الخامس ، وقال : سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق ثقة مأمون انتهى .

وكذلك الحاكم في " المستدرك " . وقال : هو من قواعد الإسلام ، وإسناده من شرط هذا الكتاب انتهى ، أخرجه بطوله .

ورواه الطبراني في " معجمه " والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " وأحمد في " مسنده " وابن راهويه . طريق آخر : رواه الدارقطني في " غرائب مالك " من حديث أبي ثور هاشم بن ناجية عن مبشر بن إسماعيل عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن جده ، قال : { كان فيما أخذ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمس القرآن إلا طاهر }.

قال الدارقطني : تفرد به أبو ثور عن مبشر عن مالك ، فأسنده عن جده ، ثم رواه من حديث إسحاق الطباع ، أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، قال : { كان في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمس القرآن إلا طاهر } ، قال : وهذا الصواب عن مالك ، ليس فيه عن جده انتهى .

قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وقوله فيه : عن جده يحتمل أن يراد به جده الأدنى ، وهو محمد بن عمرو بن حزم ، ويحتمل أن يراد به جده الأعلى ، وهو عمرو بن حزم ، وإنما يكون متصلا إذا أريد الأعلى ، لكن قوله : كان فيما أخذ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتضي أنه عمرو بن حزم لأنه الذي كتب له الكتاب .

طريق آخر : أخرجه البيهقي في " الخلافيات " من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في عهده : ولا يمس القرآن إلا طاهر }انتهى . قلت : لم أجده عند عبد الرزاق في " مصنفه " .

وفي تفسيره إلا مرسلا ، فرواه في " مصنفه " في " باب الحيض " أخبرنا معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال : كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ، ورواه في " تفسيره " في " سورة الواقعة " أخبرنا معمر عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر بن عمرو بن حزم [ ص: 282 ] عن أبيهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتابا فيه : ولا يمس القرآن إلا طاهر }انتهى .

ومن طريق عبد الرزاق ، رواه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " هكذا مرسلا ، قال الدارقطني : هذا مرسل ، ورواته ثقات انتهى . طريق آخر ، رواه البيهقي في " الخلافيات " أيضا من حديث إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن عبد الله ، ومحمد ابني أبي بكر يخبرانه عن أبيهما عن جدهما { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن } ، وأبو أويس صدوق ، أخرج له مسلم في " المتابعات " وقد روي هذا الحديث من طرق أخرى مرسلة ، وسيأتي في " الزكاة " وفي " الديات " بعض ذلك إن شاء الله تعالى .

قال السهيلي في " الروض الأنف " حديث : " { لا يمس القرآن إلا طاهر }" مرسل لا يقوم به الحجة ، وقد أسنده الدارقطني من طرق أقواها رواية أبي داود الطيالسي عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده انتهى .

وأما حديث ابن عمر ، فرواه الطبراني في " معجمه " والدارقطني ، ثم البيهقي من جهته في " سننهما " من حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري ، قال : سمعت سالما يحدث عن أبيه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { لا يمس القرآن إلا طاهر }" انتهى .

وسليمان بن موسى الأشدق مختلف فيه ، فوثقه بعضهم ، وقال البخاري : عنده مناكير ، وقال النسائي : ليس بالقوي . وأما حديث حكيم بن حزام ، فرواه الحاكم في " المستدرك " في " كتاب الفضائل " من حديث سويد بن أبي حاتم ثنا مطر الوراق عن حسان بن بلال عن { حكيم بن حزام ، قال : لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، قال : لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر }" انتهى .

قال الحاكم : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . ورواه الطبراني . [ ص: 283 ] والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " .

وأما حديث عثمان بن أبي العاص ، فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي ، ثنا يعقوب بن حميد ثنا هشام بن سليمان عن إسماعيل بن رافع عن محمد بن سعيد عن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة عن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { لا يمس القرآن إلا طاهر }" ، انتهى .

وأما حديث ثوبان ، فلم أجده موصولا ، ولكن قال ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام " : وروى علي بن عبد العزيز في " منتخبه " حدثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا مسعدة البصري عن خصيب بن جحدر عن النضر بن شفي عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا يمس القرآن إلا طاهر . والعمرة . هي الحج الأصغر }انتهى .

قال ابن القطان : وإسناده في غاية الضعف ، أما النضر بن شفي ، فلم أجد له ذكرا في شيء من مظانه ، فهو مجهول جدا ، وأما الخصيب بن جحدر ، فقد رماه ابن معين بالكذب ، وأما مسعدة البصري ، فهو " ابن اليسع " تركه أحمد بن حنبل ، وخرق حديثه ، ووصفه أبو حاتم بالكذب ، وأما إسحاق بن إسماعيل فهو " ابن عبد الأعلى يروي عن ابن عيينة ، وجرير . وغيرهما ، وهو شيخ لأبي داود ، وأبو داود إنما يروي عن ثقة عنده انتهى كلامه .

وفي الباب أثران جيدان : أحدهما : أخرجه الدارقطني عن إسحاق الأزرق ثنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك ، قال خرج عمر متقلدا بالسيف ، فقيل له : إن ختنك وأختك قد صبوا ، فأتاهما عمر ، وعندهما رجل من المهاجرين ، يقال له : " خباب " وكانوا يقرءون " طه " فقال : أعطوني الذي عندكم ، فأقرأه وكان عمر يقرأ الكتب فقالت له أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم فاغتسل ، أو توضأ ، فقام عمر فتوضأ ، ثم أخذ الكتاب فقرأ " طه " انتهى .

ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " مطولا ، قال الدارقطني : تفرد به القاسم بن عثمان ، وليس [ ص: 284 ] بالقوي ، وقال البخاري : له أحاديث لا يتابع عليها .

الثاني : أخرجه الدارقطني أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : كنا مع سلمان ، فخرج فقضى حاجته ، ثم جاء ، فقلت : يا أبا عبد الله لو توضأت لعلنا نسألك عن آيات ، قال : إني لست أمسه ، إنه لا يمسه إلا المطهرون ، فقرأ علينا ما شئنا انتهى . وصححه الدارقطني .

قوله : روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : أقل الطهر خمسة عشر يوما ، قلت : غريب جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية