نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل ( ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه ) وهذا اللفظ مروي عن النبي [ ص: 12 ] عليه الصلاة والسلام .

وقال عليه الصلاة والسلام : { من ملك ذا رحم محرم فهو حر }واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره ، والشافعي رحمه الله يخالفنا في غيره .

له أن ثبوت العتق من غير مرضاة المالك ينفيه القياس أو لا يقتضيه ، والأخوة وما يضاهيها نازلة عن قرابة الولاد ، فامتنع الإلحاق أو الاستدلال به ، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد ولم يمتنع فيه ، ولنا ما روينا ولأنه ملك قريبه قرابة موثرة في المحرمية فيعتق عليه ، وهذا هو المؤثر في الأصل والولاد ملغى لأنها هي التي يفترض وصلها ، ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة وحرم النكاح ، ولا فرق بين ما إذا كان المالك مسلما أو كافرا في دار الإسلام لعموم العلة .

والمكاتب إذا اشترى أخاه ومن يجري مجراه لا يتكاتب عليه ; لأنه ليس له ملك تام يقدره على الإعتاق والافتراض عند القدرة ، بخلاف الولاد ، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة فامتنع البيع فيعتق تحقيقا لمقصود العقد وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يتكاتب على الأخ أيضا ، وهو قولهما قلنا [ ص: 13 ] أن نمنع ، وهذا بخلاف ما إذا ملك ابنة عمه ، وهي أخته من الرضاع ، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة والصبي جعل أهلا لهذا العتق ، وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك ; لأنه تعلق به حق العبد فشابه النفقة .


[ ص: 9 - 11 ] فصل الحديث الثالث :

قال عليه السلام : { من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه }; قلت : أخرجه النسائي في " سننه " عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ملك ذا رحم عتق }انتهى .

قال النسائي : هذا حديث منكر ، ولا نعلم أحدا رواه عن سفيان غير ضمرة بن ربيعة الرملي انتهى .

وقال الترمذي : ولم يتابع ضمرة على هذا الحديث ، وهو خطأ عند أهل الحديث انتهى .

ورواه البيهقي ، وقال : إنه وهم فاحش ، والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء ، وعن هبته ، وضمرة بن ربيعة لم يحتج به صاحبا الصحيح انتهى .

وقال عبد الحق في " أحكامه " : تفرد به ضمرة بن ربيعة الرملي عن الثوري ، وضمرة ثقة ، والحديث صحيح إذا أسنده ثقة ، ولا يضر انفراده به ، ولا إرسال من أرسله ، ولا وقف من وقفه ، انتهى .

قال ابن القطان : وهذا الذي قاله أبو محمد هو الصواب ، ولو نظرنا الأحاديث لم نجد منها ما روي متصلا ، ولم يرو من وجه آخر منقطعا ، أو مرسلا أو موقوفا ، إلا القليل ، وذلك لاشتهار الحديث ، وانتقاله على ألسنة الناس ، قال : فجعل ذلك علة في الإخبار ، لا معنى له انتهى .

وقال المنذري في " مختصر السنن " : وضمرة بن ربيعة هو [ ص: 12 ] أبو عبد الله الفلسطيني ، وثقه يحيى بن معين ، وغيره ، ولم يخرجا له في " الصحيح " ، كما قال البيهقي ; وقد حصل له في هذا الحديث وهم ، والله أعلم انتهى كلامه .

الحديث الرابع : قال عليه السلام : { من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر }; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من ملك ذا رحم محرم منه ، فهو حر }انتهى .

أخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد وسعيد ; والباقون عن جماعة عن حماد ، قال أبو داود : لم يرو هذا الحديث إلا حماد بن سلمة ، وقد شك فيه ، فإن موسى بن إسماعيل قال في موضع آخر : عن سمرة فيما يحسب حماد ; وقد رواه شعبة مرسلا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وشعبة أحفظ من حماد ; وقال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه مسندا إلا من [ ص: 13 ] حديث حماد بن سلمة ، وقال في " علله الكبرى " .

وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فلم يعرفه عن الحسن عن سمرة ، إلا من حديث حماد بن سلمة ، ويروى عن قتادة عن الحسن عن عمر انتهى .

قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره مرسلا ; ورواه البيهقي بسند السنن ، وقال : إذا انفرد به حماد .

وشك فيه ، وخالفه من هو أحفظ منه فوجب التوقف فيه ; وقد أشار البخاري إلى تضعيفه ، وقال علي بن المديني : هذا عندي منكر انتهى .

وأخرجه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد بن حنبل به عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول ، وقتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا ، وسكت عنه ، ثم أخرجه عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا : { من ملك ذا رحم فهو حر }انتهى .

وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، وشاهده الحديث الصحيح المحفوظ عن سمرة بن جندب انتهى .

وقال صاحب " التنقيح " : وقد تكلم في هذا الحديث بسبب انفراد حماد ، وشكه فيه ، ومخالفة غيره ممن هو أثبت منه ; وقد أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حماد ، وذكر أبو داود [ ص: 14 ] فيه عن سمرة فيما يحسب حماد ، وقد رواه سعيد عن قتادة عن عمر بن الخطاب من قوله : وقتادة لم يدرك عمر ; وقد رواه الطحاوي من حديث الأسود عن عمر موقوفا ; وقد روي من حديث ابن عمر مرفوعا بإسناد مختلف فيه ; وروي بإسناد ضعيف من حديث عائشة ، وبإسناد ساقط من حديث علي انتهى .

وموقوف عمر أخرجه أبو داود ، والنسائي عن قتادة عن عمر قال : من ملك ذا رحم محرم فهو حر ، انتهى .

وأعل بأن قتادة لم يسمع من عمر ، فإن مولده بعد وفاة عمر بنيف وثلاثين سنة .

والله أعلم .

أحاديث الباب :

أخرج الدارقطني عن أشعث بن عطاف عن العرزمي عن أبي النضر محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : { جاء رجل بأخيه ، فقال : يا رسول الله إني أريد أن أعتق أخي هذا ، فقال : إن الله أعتقه حين ملكته ، }انتهى .

قال الدارقطني : العرزمي تركه ابن المبارك ، وابن مهدي ، ويحيى القطان انتهى .

وقال ابن القطان : والكلبي متروك أيضا ، وهو القائل : كل ما حدثت به عن أبي صالح ، فهو كذب انتهى .

وقال البيهقي : هذا مما لا يحل الاحتجاج به ، لإجماعهم على تركهم رواية الكلبي ، والعرزمي ; وروي عن حفص بن أبي داود عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس ، وحفص ضعيف انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية