نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( وإذا مات المولى عتقت من جميع المال ) لحديث سعيد بن المسيب { أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن في دين ولا يجعلن من الثلث }ولأن الحاجة إلى الولد أصلية فتقدم على حق الورثة والدين كالتكفين بخلاف التدبير ; لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج ( ولا سعاية عليها في دين المولى للغرماء ) لما روينا ، ولأنها ليست بمال متقوم حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص بخلاف المدبر ; لأنه مال متقوم


الحديث الثاني :

حديث سعيد بن المسيب { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد ، وأن لا يبعن في دين ، ولا يجعلن من الثلث }قلت : غريب ، وفي الباب أحاديث : منها ما أخرجه الدارقطني عن يونس بن محمد عن عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد ; وقال : لا يبعن ، ولا يوهبن ، ولا يورثن ، يستمتع بها سيدها ما دام حيا ، فإذا مات فهي حرة ، }انتهى .

ثم أخرجه عن عبد الله بن مطيع ثنا عبد الله بن جعفر ثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، إلى آخره ، وهذا أعله ابن عدي بعبد الله بن جعفر بن نجيح المديني .

وأسند تضعيفه عن النسائي ، والسعدي ، والفلاس وابن معين ، ولينه هو .

وقال : عامة [ ص: 43 ] ما يرويه لا يتابع عليه ، ومع ضعفه يكتب حديثه ، ثم أخرجه عن أحمد بن عبيد الله العنبري ثنا معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر موقوفا عليه .

وأخرجه أيضا عن فليح بن سليمان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن عمر موقوفا عليه ; قال ابن القطان : هذا حديث يرويه عبد العزيز بن مسلم القسملي ، وهو ثقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، واختلف فيه ، فقال عنه : يونس بن محمد ، وهو ثقة ، وهو الذي [ ص: 44 ] رفعه ; وقال عنه يحيى بن إسحاق ، وفليح بن سليمان عن عمر لم يتجاوزوه ، وكلهم ثقات ، وهذا كله عند الدارقطني ; وعندي أن الذي أسنده خير ممن وقفه ، انتهى .

وقال الحازمي في " كتابه ، في ذكر الترجيحات " الوجه الخامس والعشرون : أن يكون أحد الحديثين منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نصا وقولا ، والآخر ينسب إليه استدلالا واجتهادا ، فيكون الأول مرجحا ، نحو حديث ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد ، وقال : لا يبعن إلى آخره } ، فهذا أولى بالعمل به من حديث أبي سعيد الخدري : { كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، لأن حديث ابن عمر : قوله عليه السلام ، ولا خلاف أنه حجة ، وحديث أبي سعيد ليس فيه تنصيص منه عليه السلام فيحتمل أن من كان يرى هذا لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ، وكان ذلك اجتهادا منه ، فكان تقديم ما نسب إلى [ ص: 45 ] النبي صلى الله عليه وسلم نصا أولى ، ونظيره حديث أبي رافع في المزارعة : كنا نخابر ، وكنا نكري الأرض ، إذا لم يكن فعلهم ذلك مسندا إلى إذنه عليه السلام انتهى . وحديث أبي سعيد الذي أشار إليه أخرجه النسائي عن زيد العمي عن أبي الصديق عن أبي سعيد في أمهات الأولاد ، قال : كنا نبيعهن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النسائي : زيد العمي ليس بالقوي انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وصححه ; ورواه العقيلي ، وأعله بزيد العمي ، ثم قال : وغير زيد يرويه بإسناد جيد انتهى .

وهذا الذي أشار إليه أخرجه أبو داود ، والنسائي عن جابر ، قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله ، قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، فلما كان عمر نهانا فانتهينا ، قال الحاكم : على شرط مسلم ; وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكر ذلك علينا }انتهى .

قال ابن الجوزي في " التحقيق " : ومن الجائز أن يكون هذا خفي على أبي سعيد ، وغيره من الصحابة ، أو يكون النهي ورد بعد ذلك انتهى .

وذكر عبد الحق في " أحكامه " حديث ابن عمر ، هذا ، ثم قال : يروى من قول ابن عمر ، ولا يصح مسندا ; وتعقبه ابن القطان في " كتابه " ، وقال : إنما يروى من قول عمر ، رواه مالك في " الموطإ " من رواية يحيى بن بكير عنه عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب ، قال : أيما وليدة ولدت من سيدها ، فإنه لا يبيعها ، ولا يهبها ، ولا يورثها ، وهو يستمتع منها ، فإذا مات فهي حرة ، انتهى .

ومن طريق مالك رواه البيهقي ، ثم قال : وكذلك رواه عبد الله بن عمر ، وغيره عن نافع ، وكذلك رواه سفيان الثوري ، وسليمان بن بلال ، وغيرهما عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر ، وغلط فيه بعض الرواة عن عبد الله بن دينار فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهو وهم لا يحل روايته انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الرحمن الأفريقي عن مسلم [ ص: 46 ] بن يسار عن سعيد بن المسيب { أن عمر أعتق أمهات الأولاد ، وقال : أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

والأفريقي غير محتج به ، قال ابن القطان : وسعيد عن عمر منقطع ، ونقل عبد الحق في " أحكامه في باب الأيمان والنذور " عن ابن أبي حاتم أنه قال : قال أحمد بن حنبل : سعيد بن المسيب عن عمر عندنا حجة ، فإنه رآه ، وسمع منه انتهى .

{ حديث آخر } :

موقوف ، رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني ، قال : سمعت عليا يقول : اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ، ثم رأيت بعد أن يبعن ، قال عبيدة : فقلت له : فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة ، قال : فضحك علي ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية