نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 50 ] كتاب الأيمان قال : ( الأيمان على ثلاثة أضرب : اليمين الغموس ، ويمين منعقدة ، ويمين لغو ، فالغموس : هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { من حلف كاذبا أدخله الله النار }( ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار ) .

وقال الشافعي رحمه الله : فيها الكفارة لأنها شرعت لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى ، وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة .

ولنا أنها كبيرة محضة والكفارة عبادة تتأدى بالصوم ، ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة ; لأنها مباحة ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ وما في الغموس ملازم فيمتنع الإلحاق ( والمنعقدة ما يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله ، وإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة ) لقوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان }وهو ما ذكرنا ( واليمين اللغو أن يحلف على أمر ماض وهو يظن أنه [ ص: 51 ] كما قال والأمر بخلافه فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها ) ومن اللغو أن يقول والله إنه لزيد وهو يظنه زيدا ، وإنما هو عمرو .

والأصل فيه قوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم }الآية إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره .


[ ص: 49 - 50 ] كتاب الأيمان .

الحديث الأول : قال عليه السلام : { من حلف كاذبا أدخله الله النار }; قلت : غريب بهذا اللفظ ; وروى الطبراني في " معجمه " من حديث عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن الأشعث بن قيس ، قال : { خاصم رجل من الحضرميين رجلا منا ، يقال له : الجفشيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : جئ بشهودك على حقك ، وإلا حلف لك ، فقال : أرضي أعظم شأنا من أن يحلف عليها ، فقال النبي عليه السلام : إن يمين المسلم ما وراءها أعظم من ذلك ، فانطلق ليحلف ، فقال عليه السلام : إن هو حلف كاذبا ليدخله الله النار ، فذهب الأشعث ، فأخبره ، فقال : أصلح بيني وبينه ، قال : فأصلح بينهما } ، انتهى .

وروى ابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي أمامة ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة ، وأدخله النار ، }انتهى .

ورواه البخاري ، ومسلم [ ص: 51 ] من حديث ابن مسعود بلفظ : لقي الله وهو عليه غضبان انتهى .

وروى أبو داود من حديث عمران بن حصين قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من حلف على يمين مصبورة كاذبا ، فليتبوأ بوجهه مقعده من النار } ، انتهى .

قوله : وإنما علقه بالرجاء ، للاختلاف في تفسيره ; قلت : روى البخاري في " صحيحه " عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } ، قالت : هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، انتهى .

وكذلك رواه مالك في " الموطإ " عن هشام بن عروة به موقوفا ; وأخرجه أبو داود في " سننه " عن حسان بن إبراهيم ثنا إبراهيم الصائغ عن عطاء : اللغو في اليمين ، قال : قالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هو كلام الرجل في بيته : كلا والله ، وبلى والله ، انتهى .

قال أبو داود : ورواه داود بن أبي الفرات عن إبراهيم الصائغ موقوفا على عائشة ، وكذلك رواه الزهري ، وعبد الملك بن أبي سلمة ، ومالك بن مغول كلهم عن عطاء عن عائشة موقوفا ، انتهى .

وروى الطبري في " تفسيره " حدثني يعقوب بن إبراهيم ثنا هشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عطاء ، قال : قالت عائشة : لغو اليمين ما لم يعقد الحالف عليه قلبه ، انتهى .

قال البيهقي في " المعرفة " : وروى عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة في هذه الآية ، قالت : هو حلف الرجل على علمه ، ثم لا تجده على ذلك ، فليس فيه كفارة ، وعمر بن قيس ضعيف ، ورواية الثقات كما مضى تشير إلى حديث البخاري ، قال : ورواه ابن وهب عن الثقة عنده عن الزهري عن عروة عن عائشة ، [ ص: 52 ] وهذا مجهول ، ورواية هشام بن عروة عن أبيه أصح ، انتهى كلامه .

وأخرج عبد الرزاق . في " مصنفه " عن مجاهد ، قال : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك ، وليس كذلك ; وعن سعيد بن جبير ، قال : هو الرجل يحلف على الحرام ، فلا يؤاخذه الله بتركه ; وأخرج عن النخعي ، والحسن قالا : هو الرجل يحلف على الشيء ، ثم ينسى .

وعن الحسن أيضا قال : هو الخطأ غير العمد ، كقول الرجل : والله إنه لكذا وكذا ، وهو يرى أنه صادق ، ولا يكون كذلك انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية