نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل في كيفية الحد وإقامته ( وإذا وجب الحد وكان الزاني محصنا رجمه بالحجارة حتى يموت ) لأنه عليه الصلاة والسلام رجم ماعزا وقد أحصن .

[ ص: 108 ] وقال في الحديث المعروف : وزنا بعد إحصان .

[ ص: 109 ] وعلى هذا إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. [ ص: 110 ]

قال : ( ويخرجه إلى أرض فضاء ويبتدئ الشهود برجمه ، ثم الإمام ثم الناس ) كذا روي عن علي رضي الله عنه ، ولأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء ، ثم يستعظم المباشرة فيرجع فكان في بداءته احتبال للدرء .

وقال الشافعي رحمه الله : لا تشترط بداءته اعتبارا بالجلد .

[ ص: 111 ] قلنا : كل أحد لا يحسن الجلد فربما يقع مهلكا ، والإهلاك غير مستحق ، ولا كذلك الرجم لأنه إتلاف .


فصل .

الحديث الثامن : روي أنه عليه السلام رجم ماعزا ، وقد أحصن قلت : تقدم في حديث عند البخاري ، ومسلم من رواية أبي هريرة أنه عليه السلام ، قال له : هل أحصنت ؟ [ ص: 108 ] قال : نعم ، فقال عليه السلام : اذهبوا به فارجموه ، وللبخاري عن جابر أنه عليه السلام قال له : أبك جنون ؟ قال : لا ، قال : هل أحصنت ؟ قال : نعم فأمر به ، فرجم بالمصلى .

الحديث التاسع : قال عليه السلام : في الحديث المعروف : " وزنا بعد إحصان " قلت : روي من حديث عثمان ومن حديث عائشة ومن حديث أبي هريرة .

فأما حديث عثمان :

فأخرجه الترمذي في " الفتن " والنسائي في " تحريم الدم " ، وابن ماجه في الحدود " عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أسعد بن سهل أبي أمامة الأنصاري عن { عثمان أنه أشرف عليهم يوم الدار ، فقال : أنشدكم بالله ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنا بعد إحصان ، وارتداد بعد إسلام ، وقتل نفس بغير حق ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فعلام تقتلوني } ، الحديث .

قال الترمذي : حديث حسن ، ورواه حماد بن سلمة أيضا عن يحيى بن سعيد ، فرفعه وقد رواه يحيى بن سعيد القطان ، وغيره عن يحيى بن سعيد ، فوقفوه انتهى .

وقال في " علله الكبرى " : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، فرفعه ، قال محمد : حدثنا به داود بن شبيب عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد به مرفوعا ، قال أبو عيسى : وإنما رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مرفوعا ، حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وأما الآخرون فرووه عن يحيى بن سعيد موقوفا انتهى كلامه .

ورواه بسند السنن أحمد في " مسنده " ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى .

أخرجه في " الحدود " ، ورواه الشافعي في " مسنده " عن حماد بن زيد به عن عثمان أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا من إحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس }انتهى .

ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة في كتاب الجراح " وهو القصاص ، وله طريق آخر ، رواه البزار في " مسنده " عن نافع عن ابن عمر عن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، بلفظ الشافعي سواء ، إلا أنه قال : أو قتل نفس متعمدا ، فيقتل به ، قال البزار : وقد روي هذا [ ص: 109 ] الحديث عن عثمان من غير هذا الوجه .

وأما حديث عائشة :

فأخرجه أبو داود في " سننه أول الحدود " حدثنا محمد بن سنان الباهلي ثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل زنى بعد إحصان ، فإنه يرجم ، ورجل خرج محاربا لله ورسوله ، فإنه يقتل ، أو يصلب ، أو ينفى في الأرض ، ورجل قتل نفسا ، فإنه يقتل بها }انتهى .

{ حديث آخر } مرسل :

أخرجه البخاري عن { عمر بن عبد العزيز أنه سأل أبا قلابة ما يقول في القسامة فذكره ، إلى أن قال : قال أبو قلابة ، فقلت : والله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في إحدى ثلاث خصال : رجل قتل بجريرة نفسه ، فقتل ، أو رجل زنى بعد إحصان ، أو رجل حارب الله ورسوله ، وارتد عن الإسلام } ، الحديث مختصر ، وفي لفظ ، قال : ما علمت نفسا حل قتلها في الإسلام ، إلا رجل زنى بعد إحصان ، الحديث .

ومعنى الحديث في " الكتب الستة " أخرجوه عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة }" انتهى .

قوله : وعلى ذلك إجماع الصحابة ; قلت : روى البخاري ، ومسلم عن ابن عباس أن { عمر بن الخطاب خطب ، فقال : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ، ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده ، وإني حسبت إن طال بالناس الزمان ، أن يقول قائل : ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء ، إذا كان محصنا ، إن قامت البينة ، أو كان حمل ، أو اعتراف ، وأيم الله لولا أن يقول [ ص: 110 ] الناس : زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها }انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه البخاري عن الشعبي { عن علي حين رجم المرأة يوم الجمعة قال : رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

وتكلم الناس في سماع الشعبي من علي قال ابن القطان في " كتابه " : وهو محل نظر ، مع أن سنه محتمل لإدراك علي ، فإن عليا رضي الله عنه قتل سنة أربعين ، والشعبي إن صح عمره كان إذ مات اثنين وثمانين سنة ، وموته سنة أربع ومائة ، كما قال مجالد : فقد كان مولده سنة اثنين وعشرين ، فيكون إذ قتل علي ابن ثمانية عشر عاما ، وإن كان موته سنة خمس ومائة ، أو سنة ثلاث ومائة ، وكل ذلك قد قيل : فقد زاد عام ، أو نقص عام ، وإن صح أن سنه كان يوم مات سبعا وسبعين ، كما قد قيل فيه أيضا : نقص من ذلك خمسة أعوام ، فيكون ابن ثنتي عشرة سنة ، وإن صح أنه مات ابن سبعين سنة ، كما قال أبو داود ، فقد صغر سنه عن التحمل ، فعلى هذا يكون سماعه من علي مختلفا فيه ، وسئل الدارقطني ، سمع الشعبي من علي ؟ قال : سمع منه حرفا ، ما سمع غير هذا ، ذكره في " كتاب العلل " ، وحديثه عنه قليل معنعن ، فمن ذلك حديثه عنه مرفوعا ، لا تغالوا في الكفن ، وحديثه في رجم المحصنة ، ومنهم من يدخل بينه وبين علي عبد الرحمن بن أبي ليلى ، انتهى كلامه .

قلت : رواه أحمد في " مسنده " ، وفيه أنه كان حاضر الواقعة ، وكان فيمن رجم شراحة ، وسيأتي بعد هذا .

قوله : ويبتدئ الشهود برجمه ، ثم الإمام ثم الناس ، كذا روي عن علي ، ثم قال : وإن كان مقرا ابتدأ الإمام الناس ، كذا روي عن علي ، قلت : أخرجه البيهقي في " سننه " عن الأجلح عن الشعبي ، قال : جيء بشراحة الهمدانية إلى علي بن أبي طالب ، فقال لها : لعل رجلا وقع عليك ، وأنت نائمة ؟ قالت : لا ، قال : لعله استكرهك ؟ قالت : لا قال : لعل زوجك من هؤلاء ، فأنت تكتمينه ؟ يلقنها ، لعلها تقول : نعم ، فأمر بها فحبست ، فلما وضعت ما في بطنها أخرجها يوم الخميس ، فضربها مائة ، وحفر لها يوم الجمعة في [ ص: 111 ] الرحبة ، وأحاط الناس بها ، وأخذوا الحجارة ، فقال : ليس هكذا الرجم ، إذا يصيب بعضكم بعضا ، صفوا كصف الصلاة ، صفا خلف صف ، ثم قال : أيها الناس أيما امرأة جيء بها ، وبها حبل ، أو اعترفت ، فالإمام أول من يرجم ، ثم الناس ، وأيما امرأة جيء بها أو رجل زان ، فشهد عليه أربعة بالزنا ، فالشهود أول من يرجم ، ثم الناس ثم رجمها ، ثم أمرهم ، فرجم صف ، ثم صف ، ثم صف ، ثم قال : افعلوا بها ما تفعلون بموتاكم انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " عن يحيى بن سعيد عن مجالد عن الشعبي ، قال : كان لشراحة زوج غائب بالشام ، وأنها حملت فجاء بها مولاهما إلى علي بن أبي طالب ، فقال : إن هذه زنت ، فاعترفت ، فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، وحفر لها إلى السرة ، وأنا شاهد ، ثم قال : إن الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد ، يشهد ، ثم يتبع شهادته حجره ، ولكنها أقرت ، فأنا أول من يرميها ، فرماها بحجر ، ثم رمى الناس ، وأنا فيهم ، قال : فكنت والله فيمن قتلها انتهى .

ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الله بن إدريس عن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عليا كان إذا شهد عنده الشهود على الزنا ، أمر الشهود أن يرجموا ، ثم رجم هو ، ثم رجم الناس ، وإذا كان بإقرار بدأ هو فرجم ، ثم رجم الناس انتهى .

حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن الحسن بن سعيد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود .

عن علي ، قال : أيها الناس إن الزنا زناءان : زنا سر ، وزنا علانية ، فزنا السر أن يشهد الشهود ، فيكون الشهود أول من يرمي ، ثم الإمام ، ثم الناس ، وزنا العلانية أن يظهر الحبل ، أو الاعتراف ، فيكون الإمام ، أول من يرمي ، قال : وفي يده ثلاثة أحجار ، فرماها بحجر ، فأصاب صماخها ، فاستدارت ، ورمى الناس انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية