نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال ( فإن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد ) لأنه دلالة الرجوع ، وكذا إذا ماتوا أو غابوا في ظاهر الرواية لفوات الشرط .

[ ص: 112 ] ( وإن كان مقرا ابتدأ الإمام ثم الناس ) كذا روي عن علي رضي الله عنه ، ورمى رسول الله عليه الصلاة والسلام الغامدية بحصاة مثل الحمصة ، وكانت قد اعترفت بالزنا ( ويغسل ويكفن ويصلى عليه ) لقوله عليه الصلاة والسلام في ماعز رضي الله عنه : " { اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم }ولأنه قتل بحق ، فلا يسقط الغسل كالمقتول قصاصا ، وصلى النبي عليه الصلاة والسلام على الغامدية بعدما رجمت


[ ص: 112 ] الحديث العاشر :

{ ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامدية بحصاة ، مثل الحمصة ، وكانت قد اعترفت بالزنا }قلت : رواه أبو داود في " سننه " ، فقال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع بن الجراح عن زكريا أبي عمران ، قال : سمعت شيخا يحدث عن ابن أبي بكرة عن أبيه أن { النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة ، فحفر لها إلى الثندوة }قال أبو داود : وحدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا زكريا بن سليم أبو عمران بإسناده نحوه ، وزاد : ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ، قال : ارموا واتقوا الوجه ، فلما طفئت أخرجها ، فصلى عليها انتهى .

ورواه النسائي في " الرجم " حدثنا محمد بن حاتم عن حبان بن موسى عن عبد الله عن زكريا بن أبي عمران البصري ، قال : سمعت شيخا يحدث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة بهذا الحديث بتمامه ورواه البزار في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " ، قال البزار : ولا نعلم أحدا سمى هذا الشيخ ، وتراجع ألفاظهم وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة النسائي ، ولم يعله بغير الانقطاع .

الحديث الحادي عشر :

روي أنه عليه السلام قال في ماعز " { اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم }قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في كتاب الجنائز " حدثنا أبو معاوية عن أبي حنيفة عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه بريدة ، قال : { لما رجم ماعز ، قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم ، من الغسل والكفن والحنوط ، والصلاة عليه }انتهى .

الحديث الثاني عشر :

روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية بعدما رجمت }قلت : رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عمران بن حصين أن { امرأة من جهينة أتت النبي [ ص: 113 ] صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا ، فقالت : يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها ، فقال : أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ، ففعل ، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر : تصلي عليها يا نبي الله ، وقد زنت ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله ؟ }انتهى .

وأخرجه مسلم أيضا من حديث بريدة مشتملا على قصة ماعز والغامدية معا ، وفيه : ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت ، وفيه بشير بن المهاجر ، قال المنذري في " مختصره " : ليس له في " صحيح مسلم " سوى هذا الحديث ، وقد وثقه يحيى بن معين ، وقال الإمام أحمد : منكر الحديث ، يجيء بالعجائب مرجئ متهم ، وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه ، ولا يحتج به ، ولا عيب على مسلم في إخراج هذا الحديث ، فإنه أتى به في الطبقة الثانية ، ليبين اطلاعه على طرق الحديث انتهى كلامه .

وفي الباب حديث الصلاة على ماعز :

رواه البخاري في " صحيحه في أول كتاب المحاربين " حدثنا محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر ، فذكر قصة ماعز ، وفي آخره : ثم أمر به فرجم ، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا ، وصلى عليه ، قال ابن القطان في " كتابه " : قيل للبخاري : قوله : وصلى عليه ، قاله غير معمر ؟ قال : لا انتهى .

ورواه أبو داود عن محمد بن المتوكل .

والحسن بن علي ، كلاهما عن عبد الرزاق به ورواه الترمذي عن الحسن بن علي به ، وقال : حسن صحيح ، ورواه النسائي في " الجنائز " عن محمد بن يحيى ومحمد بن رافع ونوح بن حبيب ، ثلاثتهم عن عبد الرزاق به ، وقالوا فيه كلهم : ولم يصل عليه قال المنذري في " حواشيه " : وقد أعل بعضهم هذه الزيادة بأن محمود بن غيلان شيخ البخاري ، تفرد بها عن عبد الرزاق وقد خالفه عن عبد الرزاق جماعة : محمد بن يحيى الذهلي ، ونوح بن حبيب ، وحميد بن زنجويه وإسحاق بن راهويه ، وأحمد بن منصور الزيادي [ ص: 114 ] وإسحاق بن إبراهيم الديري والحسن بن علي ، ومحمد بن المتوكل قال : فهؤلاء ثمانية قد خالفوا محمود بن غيلان في هذه الزيادة ، وفيهم هؤلاء الحفاظ : إسحاق بن راهويه ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وحميد بن زنجويه ، ولم يذكرها أحد منهم ، وحديث إسحاق بن راهويه في " مسلم " ، إلا أنه لم يذكر لفظه ، وأحال على حديث عقيل قبله ، وليس فيه ذكر الصلاة ، قال : وإذا حملت الصلاة في حديث محمود بن غيلان على الدعاء اتفقت الأحاديث يعني حديث ماعز والغامدية انتهى .

{ حديث آخر } :

في الصلاة عليه ، أخرجه أبو قرة الزبيدي عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر عن أبي أيوب عن أبي أمامة بن سهل الأنصاري أن { النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم رجم ماعز ، وطول في الأوليين ، حتى كاد الناس يعجزون من طول الصلاة ، فلما انصرف أمر به فرجم ، فلم يقتل ، حتى رماه عمر بن الخطاب بلحى بعير ، فأصاب رأسه ، فقتله ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والناس }مختصر .

وهذا اللفظ يبعد تأويل الصلاة بالدعاء ، لأن الناس صلوا عليه بلا خلاف ، وعطف الناس على النبي صلى الله عليه وسلم مشعر بأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كصلاتهم ، والله أعلم .

{ حديث آخر } :

في ترك الصلاة عليه ، أخرجه أبو داود في " سننه " عن أبي عوانة عن أبي بشر حدثني نفر من أهل البصرة عن أبي برزة الأسلمي أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز بن مالك ، ولم ينه عن الصلاة عليه }انتهى .

وضعفه ابن الجوزي في " التحقيق " بأن فيه مجاهيل ، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال : ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد ، إلا على الغال ، وقاتل نفسه ، قال : ولو صح هذا الحديث ، فصلاته على الغامدية كانت بعد ذلك انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه أبو داود عن ابن عباس أن { ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنه زنى ، فأمر به فرجم ، ولم يصل عليه }انتهى .

قال النووي في " الخلاصة " : إسناده صحيح ، وأخرجه النسائي عن عكرمة مرسلا ، قال النووي : ويجمع بين الروايتين بأن [ ص: 115 ] رواية الإثبات مقدمة ، لأنها زيادة علم ، أو أنه عليه السلام أمرهم بالصلاة عليه ، ولم يصل هو بنفسه عليه انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية