نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 113 - 115 ] قال : ( يأمر الإمام بضربه بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا ) لأن عليا رضي الله عنه ، لما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرته ، والمتوسط بين المبرح وغير المؤلم لإفضاء الأول إلى الهلاك وخلو الثاني عن المقصود وهو الانزجار ( وتنزع [ ص: 116 ] عنه ثيابه ) معناه دون الإزار ، لأن عليا رضي الله عنه كان يأمر بالتجريد في الحدود ، ولأن التجريد أبلغ في إيصال الألم إليه ، وهذا الحد مبناه على الشدة في الضرب ، وفي نزع الإزار كشف العورة فيتوقاه ( ويفرق الضرب على أعضائه ) لأن الجمع في عضو واحد قد يفضي إلى التلف ، والحد زاجر لا متلف .

قال : ( إلا رأسه ووجهه وفرجه ) لقوله عليه الصلاة والسلام للذي أمره بضرب الحد : " { واتق الوجه والمذاكير }ولأن الفرج مقتل والرأس مجمع الحواس ، وكذا الوجه وهو مجمع المحاسن أيضا ، فلا يؤمن فوات شيء منها بالضرب وذلك إهلاك معنى فلا يشرع حدا .

[ ص: 117 ] وقال أبو يوسف رحمه الله : يضرب الرأس أيضا رجع إليه ، وإنما يضرب سوطا لقول أبي بكر رضي الله عنه : اضربوا الرأس فإن فيه شيطانا .

قلنا : تأويله أنه قال ذلك فيمن أبيح قتله ، ويقال : إنه ورد في حربي كان من دعاة الكفرة ، والإهلاك فيه مستحق ( ويضرب في الحدود كلها قائما غير ممدود ) لقول علي رضي الله عنه : يضرب الرجال في الحدود قياما والنساء قعودا ، ولأن مبنى إقامة الحد على التشهير والقيام أبلغ فيه ، ثم قوله غير ممدود فقد قيل : المد أن يلقى على الأرض ويمد كما يفعل في زمننا ، وقيل أن يمد السوط فيرفعه الضارب فوق رأسه ، وقيل أن يمده بعد الضرب ، وذلك كله لا يفعل لأنه زيادة على المستحق .


قوله : روي أن عليا لما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرة السوط قلت : غريب وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عيسى بن يونس عن حنظلة السدوسي قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كان يؤمر بالسوط ، فيقطع ثمرته ، ثم يدق بين حجرين ، حتى يلين ، ثم يضرب به ، قلنا لأنس : في زمان من كان هذا ؟ قال : في زمان عمر بن الخطاب انتهى .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في " مصنفيهما " عن يحيى بن عبد الله التيمي عن أبي ماجد الحنفي عن ابن مسعود ، أن رجلا جاء بابن أخ له إليه ، فقال : إنه سكران ، فقال : ترتروه ، ومزمزوه ، واستنكهوه ، ففعلوا ، فرفعه إلى السجن ، ثم عاد به من الغد ، وعاد بسوط ، ثم أمر بثمرته فدقت بين حجرين ، حتى صارت درة ، ثم قال للجلاد : اجلد ، وأرجع يدك ، وأعط كل عضو حقه انتهى .

وروى عبد الرزاق في " مصنفه " : أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير أن { رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط شديد له ثمرة ، فقال : سوط دون هذا ، فأتي بسوط مكسور لين ، فقال : سوط فوق هذا ، فأتي بسوط بين سوطين ، فقال : هذا ، فأمر به فجلد }ورواه ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد أصاب حدا ، فذكره بنحوه ، ورواه مالك في " الموطإ " قال أبو مصعب : أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن { رجلا اعترف على نفسه بالزنا فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط ، فأتي بسوط مكسور ، فقال : فوق هذا ، فأتي بسوط جديد لم يقطع ثمرته ، فقال : بين هذين ، فأتي بسوط قد ركب به ولان ، فأمر به فجلد ، ثم قال : أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله فمن أصاب من هذه القاذورة شيئا ، فليستتر بستر الله ، فإنه من يبد لنا صفحته ، نقم عليه كتاب الله }انتهى .

[ ص: 116 ] قوله : روي أن عليا كان يأمر بالتجريد في الحدود قلت : غريب ، وروي عنه خلافه ، كما رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن علي أنه أتي برجل في حد ، فضربه وعليه كساء فسطاطي قاعدا انتهى .

أخبرنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن رجل أن عليا ضرب جارية ، فجردت وتحت ثيابها درع حديد ، ألبسها إياه أهلها ، ونفاها إلى البصرة انتهى .

أخبرنا ابن عيينة عن مطرف عن الشعبي ، قال : سألت المغيرة بن شعبة عن المحدود أتنزع عنه ثيابه ؟ قال : لا ، إلا أن يكون فروا أو محشوا انتهى .

أخبرنا الثوري عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود ، قال : لا يحل في هذه الأمة التجريد ، ولا مد ولا غل انتهى .

الحديث الثالث عشر : قال عليه السلام للذي أمره بضرب الحد : { اتق الوجه والمذاكير }قلت : غريب مرفوعا وروي موقوفا على علي ، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص عن ابن أبي ليلى عن عدي بن ثابت عن المهاجر بن عميرة عن علي أنه أتي برجل سكران ، أو في حد ، فقال : اضرب ، وأعط كل عضو حقه ، واتق الوجه والمذاكير انتهى .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن عدي بن ثابت عن عكرمة بن خالد ، قال : أتي علي برجل في حد ، فذكره ، وقال في " التنقيح " : ورواه سعيد بن منصور حدثنا هشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عدي بن ثابت ، قال : أخبرني هنيدة بن خالد الكندي عن علي ، فذكره والنهي عن ضرب الوجه في " الصحيحين " عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه }انتهى .

أخرجه مسلم في " البر " ، وله في " اللباس " عن جابر ، [ ص: 117 ] قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه ، وعن الوسم في الوجه }انتهى .

أخرجه عن أبي الزبير ، وأخرج البخاري عن سالم عن ابن عمر أن { ، النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضرب الصورة }انتهى .

وإذا كان ضرب الوجه منهيا عنه حالة القتل ، كما أخرجه أبو داود عن زكريا بن سليم عن شيخ حدث عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة ، أن { النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة ، فحفر لها إلى الثندوة ، ثم قال : ارموا واتقوا الوجه } ، فأولى أن يكون منهيا عنه حالة الجلد .

قوله : روي عن أبي بكر أنه قال : اضرب الرأس ، فإن فيه شيطانا قلت : رواه [ ص: 118 ] ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع عن المسعودي عن القاسم أن أبا بكر أتي برجل انتفى من أبيه ، فقال أبو بكر : اضرب الرأس ، فإن الشيطان في الرأس انتهى .

والمسعودي ضعيف .

أثر آخر :

نحوه عن عمر ، رواه الدارمي في " أوائل مسنده في باب الفتيا " ، فقال : أخبرنا أبو النعمان ثنا حماد بن زيد ثنا يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له : صبيغ ، قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال له : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين ، فضربه على رأسه ، وقال : أنا عبد الله عمر ، وجعل عمر يضربه حتى دمي رأسه ، فقال : يا أمير المؤمنين حسبك ، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي انتهى .

قوله : قال علي : يضرب الرجال في الحدود قياما ، والنساء قعودا قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي ، قال : يضرب الرجل قائما ، والمرأة قاعدة في الحد انتهى . وأخرجه البيهقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية