نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( ومن وطئ أجنبية فيما دون الفرج يعزر ) لأنه منكر ليس فيه شيء مقدر ( ومن أتى امرأة في الموضع المكروه أو عمل عمل قوم لوط فلا حد عليه عند أبي حنيفة رحمه الله ويعزر ، وزاد في الجامع الصغير : ويودع في [ ص: 140 ] السجن ، وقالا : هو كالزنا فيحد ) وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله ، وقال في قول : يقتلان بكل حال لقوله عليه الصلاة والسلام : " { اقتلوا الفاعل والمفعول }. [ ص: 141 ]

ويروى " { فارجموا الأعلى والأسفل } ، ولهما أنه في معنى الزنا ; لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه تمحض حراما لقصد سفح الماء .

[ ص: 142 ] وله أنه ليس بزنا لاختلاف الصحابة في موجبه من الإحراق بالنار وهدم الجدار والتنكيس من مكان مرتفع باتباع الأحجار وغير ذلك ، ولا هو في معنى الزنا ; لأنه ليس فيه إضاعة الولد واشتباه الأنساب ، وكذا هو أندر وقوعا لانعدام الداعي من أحد الجانبين والداعي إلى الزنا من الجانبين ، وما رواه محمول على السياسة أو على المستحيل إلا أنه يعزر عنده لما بيناه .


[ ص: 139 ] الحديث الثالث : قال عليه السلام : { اقتلوا الفاعل والمفعول به }قلت : روي من حديث ابن عباس ومن حديث أبي هريرة .

فحديث ابن عباس :

أخرجه أبو داود ، والترمذي وابن ماجه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به }انتهى .

قال أبو داود : رواه سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو مثله ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس رفعه ، ورواه ابن جريج عن إبراهيم عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس رفعه انتهى .

وقال الترمذي : وإنما نعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه ، ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن أبي عمرو ، وقال : ملعون من عمل عمل قوم لوط ، ولم يذكر فيه القتل وروي عن عاصم بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اقتلوا الفاعل والمفعول به } ، وهو حديث في إسناده مقال ، ولا نعلم أحدا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري ، وهو يضعف في الحديث من قبل حفظه انتهى .

وبسند [ ص: 140 ] السنن رواه أحمد في " مسنده " والحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى .

وأخرجه النسائي بلفظ : { ملعون من عمل عمل قوم لوط ، }كما أشار إليه الترمذي ، قال البخاري : عمرو بن أبي عمرو صدوق ، لكنه روى عن عكرمة مناكير وقال النسائي : عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي ، انتهى .

وقال المنذري عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي ، كنيته أبو عثمان ، واسم أبي عمرو ميسرة ، احتج به البخاري ، ومسلم وروى عنه مالك ، وتكلم فيه غير واحد وقال شيخنا الذهبي في " الميزان " : قال ابن معين : عمرو بن أبي عمرو ثقة ، ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اقتلوا الفاعل والمفعول به }" ، وقد أخرج له الجماعة ، وروى عنه مالك ، ولينه جماعة ، فقال أبو حاتم : لا بأس به ، وقال أبو داود : ليس بالقوي وقال عبد الحق : لا يحتج به قال الذهبي : وهو ليس بضعيف ، ولا مستضعف ، ولا هو في الثقة كالزهري ، بل دونه انتهى .

وأما حديث أبي هريرة :

فله طريقان : أحدهما : الذي أشار إليه الترمذي ، وأخرجه البزار في " مسنده " عن عاصم بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به }" انتهى .

قال البزار : لا نعلمه يروى من حديث سهيل إلا عن عاصم عنه ، انتهى ورواه ابن ماجه في " سننه " بلفظ : فارجموا الأعلى والأسفل ، وقد تقدم قول الترمذي ، وعاصم يضعف في الحديث من قبل حفظه انتهى .

الطريق الثاني :

أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن سهيل به ، وسكت عنه وتعقبه الذهبي في " مختصره " ، فقال : إسناده ضعيف ، فإن عبد الرحمن العمري ساقط انتهى .

[ ص: 141 ] قوله : ويروى : فارجموا الأعلى والأسفل قلت : رواه ابن ماجه عن عاصم بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الذي يعمل عمل قوم لوط ، فارجموا الأعلى والأسفل }انتهى .

ومن أحاديث الباب :

ما رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محفوظ بن نصر الهمداني ثنا عمر بن راشد عن جابر ، قال : سمعت سالم بن عبد الله وأبان بن عثمان وزيد بن الحسن يذكرون أن { عثمان بن عفان أتي برجل قد فجر بغلام من قريش معروف النسب ، فقال عثمان : ويحكم أين الشهود ؟ أحصن ؟ قالوا : تزوج بامرأة ، ولم يدخل بها بعد ، فقال علي لعثمان رضي الله عنهما : لو دخل بها لحل عليه الرجم ، فأما إذا لم يدخل فاجلده الحد ، فقال أبو أيوب : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الذي ذكر أبو الحسن ، فأمر به عثمان ، فجلد مائة }انتهى .

ومما استدل به ابن العربي في " أحكام القرآن " على أن اللواط زنا وفيه الحد ، أن الله تعالى سماه في القرآن فاحشة ، فقال : { أتأتون الفاحشة } ، وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري ، قال : { جاء رجل من أسلم يقال له : ماعز بن مالك ، فقال : يا رسول الله إني أصبت فاحشة فطهرني } ، الحديث .

رواه مسلم بهذا اللفظ ، قال أهل اللغة : الفاحشة الزنا ، ذكره في " الصحاح " ، وغيره ، وقال إبراهيم الحربي في " كتاب غريب الحديث " في قوله تعالى: { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم }: أجمع المفسرون أنه الزنا قلت : ونظير ذلك ما استدل به بعض العلماء على قطع النباش ، بقوله عليه السلام : { يأتي زمان يكون البيت فيه بالعبد ، أو قال : بالوصيف }يعني بالبيت القبر ، قالوا : والبيت يقطع السارق منه ، فكذلك يقطع السارق من القبر ، وترجم على هذا الحديث أبو داود في " سننه باب قطع النباش " ، ثم أخرجه ، وسيأتي في " كتاب السرقة " .

[ ص: 142 ] الآثار :

روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن القاسم بن الوليد عن يزيد بن قيس أن عليا رجم لوطيا انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه البيهقي عن عطاء بن أبي رباح ، قال : أتي ابن الزبير بسبعة في لواطة : أربعة منهم قد أحصنوا ، وثلاثة لم يحصنوا ، فأمر بالأربعة فرضخوا بالحجارة ، وأمر بالثلاثة فضربوا الحد ، وابن عباس ، وابن عمر في المسجد انتهى كلامه .

{ حديث آخر } :

رواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع ثنا محمد بن قيس عن أبي حصين أن عثمان أشرف على الناس يوم الدار ، فقال : أما علمتم أنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا بأربع ، فذكرها ، وذكر الرابع : ورجل عمل عمل قوم لوط انتهى .

قوله : ولأبي حنيفة أنه ليس بزنا ، لاختلاف الصحابة في موجبه من الإحراق بالنار ، وهدم الجدار ، والتنكيس من مكان مرتفع قلت : روى البيهقي في " شعب الإيمان " من طريق ابن أبي الدنيا ، حدثنا عبيد الله بن عمر ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن داود بن بكر عن محمد بن المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر أنه وجد رجلا في بعض نواحي العرب ، ينكح كما تنكح المرأة ، فجمع أبو بكر الصحابة ، فسألهم ، فكان من أشدهم في ذلك قولا علي ، قال : هذا ذنب لم يعص به إلا أمة واحدة ، صنع الله بها ما قد علمتم ، نرى أن نحرقه بالنار ، فاجتمع رأي الصحابة على ذلك انتهى .

ورواه الواقدي في " كتاب الردة في آخر ردة بني سليم " فقال : حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي فروة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، قال : كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر الصديق أخبرك أني أتيت برجل قامت عندي البينة أنه يوطأ في دبره ، كما توطأ المرأة ، فدعا أبو بكر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واستشارهم فيه ، فقال له عمر وعلي : [ ص: 143 ] أحرقه بالنار ، فإن العرب تأنف أنفا لا يأنفه أحد غيرهم . وقال غيرهما : اجلدوه ، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن حرقه بالنار ، فحرقه خالد ، فقال القائل فيه شعر :

فما حرق الصديق جدي ولا أبي إذا المرء ألهاه الخنا عن حلائله

أثر آخر :

روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة ، قال : سئل ابن عباس ما حد اللوطي ؟ قال : ينظر أعلى بناء في القرية ، فيرمى منه منكسا ، ثم يتبع بالحجارة انتهى .

ورواه البيهقي أيضا من طريق ابن أبي الدنيا ثنا عبيد الله بن عمر ثنا غسان بن مضر به انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية