نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( والحرز على نوعين : حرز لمعنى فيه كالبيوت والدور وحرز بالحافظ ) قال العبد الضعيف : الحرز لا بد منه ، لأن الاستسرار لا يتحقق دونه ، ثم هو قد يكون بالمكان وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة كالدور والبيوت والصندوق والحانوت ، وقد يكون بالحافظ كمن جلس في الطريق أو في المسجد وعنده متاعه فهو محرز به ، وقد { قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرق رداء صفوان من تحت رأسه ، وهو نائم في المسجد }( وفي المحرز بالمكان لا يعتبر الإحراز بالحافظ ) هو الصحيح لأنه محرز بدونه وهو البيت ، وإن لم يكن له باب أو كان وهو مفتوح ، حتى يقطع السارق منه ; لأن البناء لقصد الإحراز إلا [ ص: 199 ] أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج منه ، لقيام يده فيه قبله ، بخلاف المحرز بالحافظ حيث يجب القطع فيه كما أخذ لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة ، ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظا أو نائما والمتاع تحته أو عنده هو الصحيح لأنه يعد النائم عند متاعه حافظا له في العادة ، وعلى هذا لا يضمن المودع والمستعير بمثله ; لأنه ليس بتضييع بخلاف ما اختاره في الفتاوى .


الحديث العاشر : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع رجلا سرق رداء صفوان ، من تحت رأسه ، وهو نائم في المسجد }قلت : أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن صفوان بن أمية فأبو داود ، والنسائي عن سماك بن حرب عن حميد بن أخت صفوان عن صفوان [ ص: 199 ] بن أمية ، وابن ماجه من طريق مالك عن الزهري عن عبد الله بن صفوان عن أبيه { أنه طاف بالبيت . وصلى ، ثم لف رداء له من برد ، فوضعه تحت رأسه ، فنام ، فأتاه لص فاستله من تحت رأسه ، فأخذه ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن هذا سرق ردائي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أسرقت رداء هذا ؟ قال : نعم ، قال : اذهبا به ، فاقطعا يده ، فقال صفوان : ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي ، قال : فلولا كان قبل أن تأتيني به }

؟ انتهى .

وزاد [ ص: 200 ] النسائي ، فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسند أبي داود رواه الحاكم في " المستدرك " ، ولفظه قال : { كنت نائما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي خميصة لي ثمنها ثلاثين درهما ، فجاء رجل فاختلسها مني ، فأخذ الرجل ، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يقطع ، فقلت : من أجل ثلاثين درهما ؟ أنا أبيعه ، وأهبه ثمنها ، قال : فهلا كان قبل أن تأتيني به }؟ انتهى .

وسكت عنه ، وحميد ابن أخت صفوان لم يرو عنه ، إلا سماك ، ولم ينبه عليه [ ص: 201 ] المنذري في " مختصره " ، وعند النسائي فيه طرق أخرى قال عبد الحق في " أحكامه " بعد أن ذكره من جهة النسائي : ورواه سماك بن حرب عن حميد ابن أخت صفوان عن صفوان بن أمية ، ورواه عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن صفوان ورواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس ورواه عمرو بن دينار عن طاوس عن صفوان ، ذكر هذه الطرق النسائي ورواه مالك في " الموطإ " عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان [ ص: 202 ] وروي من غير هذا الوجه ، ولا أعلمه يتصل من وجه صحيح انتهى .

وبينه ابن القطان في " كتابه " فقال : أما حديث سماك فضعيف بحميد المذكور ، فإنه لا يعرف في غير هذا وقد ذكره ابن أبي حاتم بذلك ، ولم يزد عليه ، وذكره البخاري ، فقال : إنه حميد بن حجير ابن أخت صفوان بن أمية ، ثم ساق له هذا الحديث ، وهو كما قلنا : مجهول الحال ، وأما طريق عبد الملك بن أبي بشير ، فالظاهر أنها متقطعة ، فإنها من رواية عبد الملك عن عكرمة عن صفوان بن أمية ، وعكرمة لا أعرف أنه سمع من صفوان ، وإنما يرويه عن ابن عباس ، ومن دون عبد الملك إلى النسائي ثقات ، وعبد الملك وثقه ابن حنبل ، وابن معين ، وأبو زرعة ، ويحيى القطان ، وقال سفيان : كان شيخا صدوقا وأما طريق عمرو بن دينار فتشبه أنها متصلة ، قال ابن عبد البر : سماع طاوس من صفوان ممكن ، لأنه أدرك زمان عثمان وذكر يحيى القطان عن زهير عن ليث عن طاوس ، قال : أدركت سبعين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه .

وقال في " التنقيح " : حديث صفوان حديث صحيح ، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وأحمد في " مسنده " من غير وجه عنه ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية