نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب كيفية القتال ( وإذا دخل المسلمون دار الحرب ، فحاصروا مدينة أو حصنا دعوهم إلى الإسلام ) لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي عليه الصلاة والسلام ما قاتل قوما حتى دعاهم إلى الإسلام }.

قال [ ص: 224 - 225 ]

( فإن أجابوا كفوا عن قتالهم ) لحصول المقصود : وقد قال صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله }الحديث .

[ ص: 226 ] ( وإن امتنعوا دعوهم إلى أداء الجزية ) به أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام أمراء الجيوش ، ولأنه أحد ما ينتهي به القتال على ما نطق به النص ، وهذا في حق من تقبل منه الجزية ، ومن لا تقبل منه كالمرتدين وعبدة الأوثان من العرب لا فائدة في دعائهم إلى قبول الجزية ; لأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام .

قال الله تعالى : { تقاتلونهم أو يسلمون }.

[ ص: 227 ] ( فإن بذلوها فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ) لقول علي رضي الله عنه : إنما بذلوا الجزية ، ليكون دماؤهم كدمائنا ، وأموالهم كأموالنا .

والمراد بالبذل القبول وكذا المراد بالإعطاء المذكور فيه في القرآن ، والله أعلم .


باب كيفية القتال

الحديث الأول : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قاتل قوما حتى دعاهم إلى الإسلام }قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس ، قال : { ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى دعاهم }انتهى .

وكذلك رواه الحاكم في " المستدرك في كتاب الإيمان " ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " ، والله أعلم .

أحاديث الباب : روى أحمد في " مسنده " حدثنا يزيد بن هارون ثنا أبو حباب الكلبي [ ص: 224 ] عن يحيى بن هانئ بن عروة عن { فروة بن مسيك ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم ؟ قال : نعم ، فلما وليت دعاني ، فقال : لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام } ، مختصر .

{ حديث آخر } : وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا عمر بن ذر عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه : لا تقاتل قوما حتى تدعوهم }انتهى .

{ حديث آخر } : روى الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث سفيان عن عمر بن ذر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى قوم يقاتلهم } ، وقال له ، إلى آخره وقال : لم يروه عن إسحاق ، إلا عمر بن ذر .

{ حديث آخر } : أخرجه أحمد في " مسنده " ، والحاكم في " المستدرك " عن حماد عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن سلمان أنه انتهى إلى حصن . أو مدينة ، فقال لأصحابه : دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم ، فقال : إنما كنت رجلا منكم فهداني الله للإسلام ، فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، وإن أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون ، فإن أبيتم نابذناكم على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين ، ففعل ذلك بهم ثلاثة أيام ، فلما كان في اليوم الرابع أمر الناس فغدوا إليها ففتحوها

انتهى .

{ حديث آخر } : استدل بعض العلماء على وجوب الدعوة قبل القتال بما أخرجه الأئمة الستة عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن ، وقال له : إنك تقدم على قوم أهل كتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله } ، الحديث ، ولكنا نقول : إنه سقط الوجوب بحديث { أنه عليه السلام أغار على بني المصطلق فتبقى السنة ، }والله أعلم .

[ ص: 225 ] الحديث الثاني : قال عليه السلام : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله }قلت : روي من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر ومن حديث جابر ومن حديث عمر ومن حديث أنس .

فحديث أبي هريرة أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، من قال : لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله }انتهى .

وفي لفظ لمسلم : { حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويؤمنوا بي وبما جئت به ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله }انتهى .

وحديث عمر : أخرجه البخاري ، ومسلم أيضا عن أبي هريرة قال : { لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ، ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق }انتهى .

وفي لفظ للبخاري : { والله لو منعوني عناقا } ، أخرجه في الزكاة .

وحديث ابن عمر : أخرجاه أيضا عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم ، وحسابهم على الله }انتهى .

زاد البخاري : { إلا بحق الإسلام }.

وحديث جابر : أخرجه مسلم عن أبي الزبير عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله } ، بلفظ حديث أبي هريرة ، وزاد : { ثم قرأ [ ص: 226 ] { إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر } }

انتهى .

وحديث أنس : أخرجه البخاري عنه في " الصلاة " قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها ، وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وذبحوا ذبيحتنا ، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله } ، انتهى .

وفيه { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن طارق بن أشيم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من قال : لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله . حرم الله ماله ودمه ، وحسابه على الله }

، وفي لفظ { من وحد الله } ، أخرجها كلها مسلم في " الإيمان " .

الحديث الثالث : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمراء الجيوش بأخذ الجزية من الكفار إذا امتنعوا من الإسلام }قلت : أخرجه الجماعة إلا البخاري عن سليمان بن بريدة عن بريدة ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش ، أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم : ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم . ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين ، وعليهم ما عليهم ، فإن أبوا أن يتحولوا منها ، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، [ ص: 227 ] يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فاسألوهم الجزية ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ، فإن هم أبوا فاستعن بالله ، وقاتلهم ، وإذا حاصرت أهل حصن ، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ، فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله ، وإذا حاصرت أهل حصن ، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله ، فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ، ثم اقضوا فيهم بعدما شئتم }

انتهى .

زاد مسلم في رواية : قال سفيان : قال علقمة : فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حبان ، فقال : حدثني مسلم بن هيضم عن النعمان بن مقرن عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث بريدة انتهى .

قوله : روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا ، وأموالهم كأموالنا قلت : غريب ، وأخرج الدارقطني في " سننه " عن الحكم عن حسين بن ميمون عن أبي الجنوب الأسدي ، قال : قال علي بن أبي طالب : من كانت له ذمتنا ، فدمه كدمنا ، وديته كديتنا انتهى .

قال الدارقطني : خالفه أبان بن تغلب ، فرواه عن حسين بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله عن أبي الجنوب ، وأبو الجنوب ضعيف الحديث انتهى .

قلت : وحديث أبان الذي أشار إليه أخرجه الشافعي في " مسنده " ، فقال : أخبرنا محمد بن الحسن ثنا قيس بن ربيع الأسدي عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون به .

التالي السابق


الخدمات العلمية