نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( ولا يجوز أن يقاتل من لم تبلغه الدعوة إلى الإسلام إلا أن يدعوه ) لقوله [ ص: 228 ] عليه الصلاة والسلام { في وصية أمراء الأجناد : فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله }ولأنهم بالدعوة يعلمون أنا نقاتلهم على الدين لا على سلب الأموال وسبي الذراري ، فلعلهم يجيبون فنكفى مؤنة القتال ، ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي ، ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الإحراز بالدار فصار كقتل النسوان والصبيان .

( ويستحب أن يدعو من بلغته الدعوة ) مبالغة في الإنذار ، ولا يجب ذلك لأنه صح { أن النبي عليه الصلاة والسلام أغار على بني المصطلق وهم غارون . وعهد إلى أسامة رضي الله عنه أن يغير على أبنى صباحا ثم يحرق }والغارة لا تكون بدعوة .

[ ص: 229 ] قال : ( فإن أبوا ذلك استعانوا بالله عليهم وحاربوهم ) لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سليمان بن بريدة : { فإن أبوا ذلك فادعهم إلى إعطاء الجزية إلى أن قال : فإن أبوها فاستعن بالله عليهم وقاتلهم }ولأنه تعالى هو الناصر لأوليائه والمدمر على أعدائه فيستعان به في كل الأمور .

قال : ( ونصبوا عليهم المجانيق ) كما نصب رسول الله عليه الصلاة والسلام على الطائف .

[ ص: 230 ] ( وحرقوهم ) { لأنه عليه الصلاة والسلام أحرق البويرة }.

قال : ( وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم ) لأن في جميع ذلك إلحاق الكبت والغيظ بهم وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعا .

( ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر ) لأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام ، وقتل الأسير والتاجر ضرر خاص [ ص: 231 ] ولأنه قلما يخلو حصن عن مسلم ، فلو امتنع باعتباره لانسد بابه ( وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم ) لما بينا ( ويقصدون بالرمي الكفار ) لأنه إن تعذر التمييز فعلا فلقد أمكن قصدا والطاعة بحسب الطاقة وما أصابوه منهم لا دية عليهم ، ولا كفارة ; لأن الجهاد فرض والغرامات لا تقرن بالفروض ، بخلاف حالة المخمصة لأنه لا يمتنع مخافة الضمان لما فيه من إحياء نفسه .

أما الجهاد : فمبني على إتلاف النفس فيمتنع حذار الضمان .


الحديث الرابع : { قال عليه السلام في وصية أمراء الأجناد : فادعهم إلى شهادة أن لا [ ص: 228 ] إله إلا الله }قلت : تقدم في حديث بريدة : { ادعهم إلى الإسلام }.

قوله : ولو قاتل قبل الدعوة أثم ، للنهي قلت : تقدم في حديث فروة بن مسيك ، قلت : { يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم ؟ قال : نعم ، فلما وليت دعاني ، فقال : لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام } ، مختصر ، وفي حديث { علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه إلى اليمن : لا تقاتل قوما حتى تدعوهم }انتهى .

الحديث الخامس ، والسادس : وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق . وهم غارون ، وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحا ، ثم يحرق }قلت : حديث بني المصطلق أخرجه البخاري ، ومسلم عن ابن عون ، قال : { كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال ، فكتب إلي : إنما كان ذلك في أول الإسلام ، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق ، وهم غارون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث ، حدثني به عبد الله بن عمر ، وكان في ذلك الجيش }انتهى .

وحديث أسامة : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه ، فقال : أغر على [ ص: 229 ] أبنى صباحا ، وحرق }انتهى .

قال المنذري في " حواشيه " : غارون بتشديد الراء هكذا قيده غير واحد وقال الفارسي : أظنه غادون بالدال المهملة المخففة فإن صحت رواية الراء فوجهه أنهم ذو غرة ، أي أتاهم الجيش على غرة منهم ، فإن الغار هو الذي يغر غيره ، ولا وجه له هنا ، وهذا الذي قاله فيه تكلف ، فقد قال الجوهري ، وغيره : الغافل انتهى . وأبنى بضم الهمزة ، وسكون الباء الموحدة ، بعدها نون ، وألف مقصورة موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة ، ويقال : يبنى بياء مضمومة آخر الحروف

انتهى .

وزعم الحازمي في " الناسخ والمنسوخ " أن حديث ابن عمر المتقدم ناسخ للأحاديث التي فيها الدعوة ، وهو صريح في ذلك ، فإنه قال فيه : إنما كان ذلك في أول الإسلام ، ثم ساق من طريق أبي عوانة ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ثنا علي بن بكار عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على خيبر يوم الخميس ، وهم غارون ، فقتل المقاتلة ، وسبى الذرية }انتهى .

قال : وقد جمع بعض العلماء بين الأحاديث ، فقال : الأحاديث الأول محمولة على الأمر بدعاء من لم تبلغهم الدعوة ، وأما بنو المصطلق ، وأهل خيبر ، فإن الدعوة كانت بلغتهم ، انتهى .

الحديث السابع : قال عليه السلام في حديث سليمان بن بريدة .

{ فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، إلى أن قال : فإن أبوا فاستعن بالله عليهم ، وقاتلهم }قلت : تقدم ذلك في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه .

الحديث الثامن : روي { أنه عليه السلام نصب المنجنيق تحرزا على الطائف }قلت : ذكره [ ص: 230 ] الترمذي في " الاستئذان " معضلا ، ولم يصل سنده به ، فقال : قال قتيبة : ثنا وكيع عن رجل عن ثور بن يزيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على الطائف }.

قال قتيبة : قلت لوكيع : من هذا الرجل ؟ قال : صاحبكم عمر بن هارون انتهى .

ورواه أبو داود في " المراسيل " عن مكحول { أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المناجيق على أهل الطائف } ، انتهى ورواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا قبيصة بن عقبة أنا سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن مكحول ، فذكره وزاد : { أربعين يوما }ورواه العقيلي في " ضعفائه " مسندا من حديث عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن أبي صادق عن علي قال : { نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف }انتهى .

وقال الواقدي في " كتاب المغازي " : { وقال سلمان الفارسي يومئذ : يا رسول الله أرى أن تنصب عليهم المجانيق ، فإنا كنا بأرض فارس ننصب المجانيق على الحصون فنصيب من عدونا ، وإن لم يكن منجنيق طال المقام ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقا بيده ، فنصبه على حصن الطائف ، ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن ربيعة ، وقيل : غيره }.

الحديث التاسع : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق البويرة }قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير ، وحرق وهي البويرة وفيها نزلت { ما قطعتم من لينة أو تركتموها } }الآية انتهى .

أخرجه البخاري في " المغازي " عن آدم ، وفي " التفسير " عن قتيبة ، ومسلم في " المغازي " عن يحيى بن يحيى ، وقتيبة ، ومحمد بن رمح أربعتهم عنه به ، وأبو داود في [ ص: 231 ] الجهاد " ، والترمذي والنسائي في " السير " ، وفي " التفسير " عن قتيبة به ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وابن ماجه في " الجهاد " عن محمد بن رمح به ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية