نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كانوا عسكرا عظيما يؤمن عليه ) لأن الغالب هو السلامة ، والغالب كالمتحقق .

( ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها ) لأن فيه تعريضهن على الضياع والفضيحة وتعريض المصاحف على الاستخفاف فإنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين ، وهو التأويل الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو }ولو دخل مسلم إليهم بأمان لا بأس بأن يحمل معه المصحف ، إذا كانوا قوما يوفون بالعهد ، لأن الظاهر عدم التعرض ، والعجائز يخرجن في العسكر العظيم لإقامة عمل يليق بهن كالطبخ والسقي [ ص: 232 ] والمداواة ، فأما الشواب فقرارهن في البيوت أدفع للفتنة ولا يباشرن القتال ; لأنه يستدل به على ضعف المسلمين إلا عند الضرورة ، ولا يستحب إخراجهن للمباضعة والخدمة ، فإن كانوا لا بد مخرجين فبالإماء دون الحرائر .


الحديث العاشر : قال عليه السلام : { لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو }قلت : رواه الجماعة إلا الترمذي فأخرجه البخاري ، ومسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو }انتهى .

وزاد أبو داود ، وابن ماجه فيه ، قال مالك : أراه مخافة أن يناله [ ص: 232 ] العدو انتهى .

وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، ويخاف أن يناله العدو }انتهى .

وأخرجه مسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تسافروا بالقرآن ، فإني لا آمن أن يناله العدو }.

قال أيوب : فقد ناله العدو ، وخاصموكم به انتهى .

وفي لفظ لمسلم : فإني أخاف ، وأخرجه مسلم عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تسافروا بالقرآن مخافة أن يناله العدو }.

واختلف الحفاظ في هذه الزيادة أعني قوله : { مخافة أن يناله العدو }هل هي من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام مالك ؟ ، والصحيح أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم قال القرطبي في " شرح مسلم " : هذه الزيادة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الثقات ، غير أن يحيى بن يحيى ، ويحيى بن بكير أخرجاها من قول مالك ، فإن صح فيحمل على أن مالكا شك في رفعها مرة ، فوقفها على نفسه ، وقال النووي : غلط بعض المالكية ، فزعم أنها من قول مالك ، وإنما هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

وقال المنذري في " مختصر السنن " : هكذا أخرجه أبو داود من رواية القعنبي عن مالك ، فأفرد الزيادة من قوله ، ووافق القعنبي على ذلك أبو مصعب الزبيري ، وابن وهب ، وعبد الرحمن بن القاسم ، ويحيى بن يحيى الأندلسي ، ويحيى بن بكير ورواه بعضهم من حديث عبد الرحمن بن مهدي ، والقعنبي عن مالك ، فأدرجها في الحديث ، وقد اختلف على القعنبي في ذلك ، فمرة يبين أنها قول مالك ، ومرة يدرجها في الحديث ، ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك ، فلم يذكر هذه الزيادة ألبتة ، وقد رفع هذه الكلمات أيوب السختياني ، والليث بن سعد والضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر وقال بعضهم : يحتمل أن مالكا شك ، هل من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو لا ، فجعل لتحريه هذه الزيادة من كلامه على التفسير ، وإلا فهي صحيحة من قول النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات انتهى .

وذهل شيخنا علاء الدين ، فعزاه مقلدا لغيره ، لمالك في " الموطإ " فقط .

واعلم أن المصنف حمل الحديث على الجيش الصغير الذي لا يؤمن معه ضياعه ، [ ص: 233 ] والشافعية معنا في ذلك ، وأخذ المالكية بإطلاقه ، قال القرطبي : ولا فرق بين الجيوش والسرايا عملا بإطلاق النص ، وهو وإن كان نيل العدو له في الجيش العظيم نادرا فنسيانه وسقوطه ليس نادرا انتهى .

واعلم أن المراد بالقرآن في الحديث المصحف .

وقد جاء مفسرا في بعض الأحاديث ، وأشار إليه البخاري بقوله : " باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو " يروى ذلك عن محمد بن بشر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد { سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أرض العدو ، وهم يعلمون القرآن } ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية