نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 243 - 245 ] فصل

( إذا أمن رجل حر أو امرأة حرة كافرا أو جماعة أو أهل حصن أو مدينة صح أمانهم ولم يكن لأحد من المسلمين قتالهم ) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام ; { المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم }أي أقلهم وهو للواحد ، ولأنه من أهل القتال ، فيخافونه إذ هو من أهل المنعة فيتحقق الأمان منه [ ص: 246 ] لملاقاته محله ثم يتعدى إلى غيره ، ولأن سببه لا يتجزأ وهو الإيمان ، وكذا الأمان لا يتجزأ فيتكامل كولاية الإنكاح .

قال : ( إلا أن يكون في ذلك مفسدة فينبذ إليهم ) كما إذا أمن الإمام بنفسه ثم رأى المصلحة في النبذ وقد بيناه .

ولو حاصر الإمام حصنا وأمن واحد من الجيش وفيه مفسدة ينبذ الإمام الأمان لما بينا ويؤدبه الإمام لافتياته على رأيه ، بخلاف ما إذا كان فيه نظر ; لأنه ربما تفوت المصلحة بالتأخير فكان معذورا .


فصل

الحديث السادس : قال عليه السلام : { المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم }قلت : احتج المصنف بقوله : { ويسعى بذمتهم أدناهم }على جواز أمان الرجل الواحد ، أو المرأة الواحدة لأهل مدينة أو حصن ، وهو في " الصحيحين " أخرجه البخاري في " الجهاد " ، ومسلم في " الحج " عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي بن أبي طالب ، قال : { ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن . وما في هذه الصحيفة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المدينة حرم فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ، ولا عدلا ، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا }

انتهى .

وأخرج البخاري نحوه من حديث أنس ، وأخرج مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المدينة حرم ، فمن أحدث فيها حدثا ، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل ، وذمة المسلمين واحدة ، يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل } ، انتهى .

وذهل شيخنا علاء الدين مقلدا لغيره ، فذكر حديث علي من جهة أبي داود ، والنسائي فقط ، أخرجاه عن قتادة عن الحسن عن { قيس بن عباد ، قال : [ ص: 246 ] انطلقت أنا والأشتر إلى علي عليه السلام ، فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس عامة ؟ قال : لا إلا ما في كتابي هذه ، فأخرج كتابا من قراب سيفه ، فإذا فيه : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، ألا لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، ومن أحدث حدثا ، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين }

انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " ، ومن طريقه رواه الحاكم في " المستدرك في كتاب قسم الفيء " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين انتهى .

وأخرجه أبو داود أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، محيلا على حديث علي ، وأخرجه ابن ماجه مفسرا ، ولفظه : قال : قال ، رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم ، يرد مشدهم على مضعفهم ، ومتسريهم على قاعدهم ، ألا لا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده }انتهى .

وأخرج الدارقطني في " سننه في الحدود " [ ص: 247 ] عن مالك بن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة قالت : { وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابان : إن أشد الناس عتوا في الأرض رجل ضرب غير ضاربه ، أو رجل قتل غير قاتله ، ورجل تولى غير أهل نعمته ، فمن فعل ذلك فقد كفر بالله وبرسله ، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا } ، وفي الآخر : { المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، لا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، ولا يتوارث أهل ملتين }انتهى .

ومالك هذا هو ابن أبي الرجال ، أخو حارثة ، ومحمد قال أبو حاتم : هو أحسن حالا من أخويه انتهى .

ورواه البخاري في " تاريخه الكبير " ، والله أعلم .

أحاديث الباب حديث أم هانئ : أخرجاه في " الصحيحين " عنها قالت : { يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا قد أجرته ، فلان بن هبيرة ، فقال عليه السلام : قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت } ، مختصر ورواه أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في " كتاب تاريخ مكة " من طريق الواقدي عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي مرة ، مولى عقيل عن { أم هانئ بنت أبي طالب ، قالت : ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : يا رسول الله إني أجرت حموين لي من المشركين ، فأراد علي أن يقتلهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كان ذلك له ، قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، ثم اغتسل وصلى ثمان ركعات ، وذلك ضحى يوم فتح مكة ، وكان الذي أجارت أم هانئ يوم الفتح عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، كلاهما من بني مخزوم }انتهى .

وكذلك رواه الواقدي في " كتاب المغازي " سواء ، وهذا مطابق لما ذكره صاحب " الخلاصة " من حديث أم هانئ ، فإنه قال : روي عن { أم هانئ أنها أجارت رجلين من المشركين ، ولم تمكن عليا من قتلهما ، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم أمانها }انتهى .

وعند الطبراني عن أنس { أنها أجارت أخاها عقيلا } ، وسيأتي .

{ حديث آخر } : رواه أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ، قالت : إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين ، فيجوز انتهى .

[ ص: 248 ] حديث آخر } : رواه الترمذي حدثنا يحيى بن أكثم ثنا عبد العزيز بن حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن المرأة لتأخذ للقوم يعني تجير على المسلمين }انتهى .

وقال : حسن غريب ، وترجم عليه " باب أمان المرأة " ، وقال في " علله الكبير " : وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : هو حديث صحيح ، وكثير بن زيد سمع من الوليد بن رباح ، والوليد بن رباح سمع من أبي هريرة ، والوليد مقارب الحديث انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الطبراني في " معجمه " عن عباد بن كثير عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك { أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت أبا العاص ، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم جوارها ، وأن أم هانئ بنت أبي طالب أجارت أخاها عقيلا ، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم جوارها ، وقال : يجير على المسلمين أدناهم }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الطبراني أيضا عن ابن لهيعة ثنا موسى بن جبير عن عراك بن مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة { أن أبا العاص لما لحق بالمدينة أرسل إلى زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خذي لي أمانا من أبيك ، فخرجت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ، فقالت : يا أيها الناس أنا زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإني قد أجرت أبا العاص ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة ، قال : يا أيها الناس إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه ، ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية