نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 250 ] باب الغنائم وقسمتها

( وإذا فتح الإمام بلدة عنوة ) أي قهرا ( فهو بالخيار إن شاء قسمه بين المسلمين ) كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام بخيبر .

[ ص: 251 - 254 ] ( وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج ) كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بموافقة من الصحابة رضي الله عنهم ولم يحمد من خالفه ، وفي كل من ذلك قدوة فيتخير وقيل الأولى هو الأول عند حاجة الغانمين ، والثاني عند عدم الحاجة ، ليكون عدة في الزمان الثاني ، وهذا في العقار .

أما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم لأنه لم يرد به الشرع فيه ، وفي العقار خلاف الشافعي رحمه الله ، لأن في المن إبطال حق الغانمين أو ملكهم فلا يجوز من غير بدل يعادله والخراج غير معادل لقلته بخلاف الرقاب ; لأن للإمام أن يبطل حقهم رأسا بالقتل والحجة عليه ما رويناه ، ولأن فيه نظرا لأنهم كالأكرة العاملة للمسلمين العاملة بوجوه الزراعة والمؤن مرتفعة مع ما أنه يحظى به الذين يأتون من بعد ، والخراج وإن قل حالا فقد جل مآلا لدوامه ، وإن من عليهم بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل ليخرج عن حد الكراهة .


[ ص: 250 ] باب الغنائم وقسمتها

الحديث الأول : قال المصنف رحمه الله : وإذا فتح الإمام بلدة عنوة ، فهو بالخيار ، إن شاء قسمه بين المسلمين ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر قلت : أخرج البخاري في " صحيحه " عن زيد بن أسلم أن عمر قال : والذي نفسي بيده ، لولا أن أترك آخر الناس ببانا ، ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، ولكن أتركها لهم خزانة ، يقتسمونها ، ورواه مالك في " الموطإ " أخبرنا زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : سمعت عمر يقول : لولا أن نترك آخر الناس لا شيء لهم ، ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانا ، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانا انتهى .

والمصنف ذكر في " باب القسامة { أنه عليه السلام أقر خيبر على أهلها ، ووضع عليهم الخراج } ، قيل : إن الطحاوي بين ذلك ، فلينظر .

أحاديث الباب : أخرج أبو داود في " سننه في كتاب الخراج " عن يحيى بن زكريا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال : { قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين ، نصفا لنوائبه ، ونصفا بين المسلمين ، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما }انتهى .

قال صاحب " التنقيح " : إسناده جيد ، ويحيى بن زكريا هو ابن أبي زائدة ، وهو أحد الثقات انتهى .

ثم أخرجه أبو داود عن محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله [ ص: 251 ] صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك ، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود ، والأمور ، ونوائب الناس }انتهى .

ثم أخرجه عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاء الله عليه خيبر قسمها ستة وثلاثين سهما جمعا ، فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهما ، يجمع كل سهم مائة ، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم له سهم ، كسهم أحدهم ، وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما ، وهو الشطر لنوائبه ، وما ينزل به من أمر المسلمين ، فكان ذلك الوطيح ، والكتيبة ، والسلالم ، وتوابعها ، فلما صارت الأموال بيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود ، فعاملهم }انتهى .

زاد أبو عبيد في " كتاب الأموال " : { فعاملهم على نصف ما يخرج منها ، فلم يزل على ذلك حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، حتى كان عمر ، فكثر العمال في المسلمين ، وقووا على العمل ، فأجلى عمر اليهود إلى الشام ، وقسم الأموال بين المسلمين ، إلى اليوم }انتهى .

وبشير بن يسار تابعي ثقة ، يروي عن أنس ، وغيره يروي هذا الخبر عنه يحيى بن سعيد ، وقد اختلف عليه فيه ، فبعض أصحاب يحيى يقول فيه : عن بشير عن سهل بن أبي حثمة ، وبعضهم يقول : عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من يرسله ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " عن عبد الرحمن بن المرقع ، قال : { لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قسمها على ثمانية عشر سهما ، فجعل لكل مائة سهما ، وهي مخضرة من الفواكه ، فوقع الناس على الفاكهة ، فأخذتهم الفاكهة ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الحمى قطعة من النار ، فإذا هي أخذتكم فبردوا لها الماء في الشنان ، ثم صبوها عليكم بين الصلاتين يعني المغرب والعشاء قال : ففعلوا ، فذهبت }انتهى .

قال أبو الفتح اليعمري في " سيرته عيون الأثر " : اختلف العلماء في المدينة إذا فتحت عنوة ، هل تقسم أرضها بين المسلمين ، كسائر الغنائم ، أو توقف ؟ فقال الكوفيون : الإمام مخير بين أن يقسمها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض خيبر ، أو يقر أهلها عليها ، ويضع عليهم الخراج ، كما فعل عمر بسواد العراق ، في جماعة من الصحابة ، وبالأول أخذ الشافعي ، وبالثاني أخذ مالك ، نفعا لمن يأتي بعده من المسلمين ، ثم ذكر حديث البخاري ، ثم قال : وهذا يدل على أن خيبر قسمت كلها سهمانا ، وهو رواية ابن إسحاق [ ص: 252 ] عن الزهري ، رواه أبو داود في " سننه " عن ابن إسحاق قال : سألت ابن شهاب ، فأخبرني { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال } ، وروي أيضا من حديث يونس عن الزهري نحوه ، وروي أيضا من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر ، فأصبناها عنوة ، وجمع السبي }.

قال أبو عمر في " مغازيه " : وهذا هو الصحيح في { أرض خيبر أنها كانت عنوة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم جميع أرضها على الغانمين ، وهم أهل الحديبية } ، وروى موسى بن عقبة ، وغيره عن الزهري أن بعضها كان عنوة ، وبعضها كان صلحا ، قال أبو عمر : وهذا وهم ، وإنما دخل عليه ذلك من جهة الحصنين اللذين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم ، وهما الوطيح والسلالم ، كما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهل خيبر في حصنهم الوطيح ، والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم ، وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل ، فحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال وجميع الحصون ، إلا ما كان من ذينك الحصنين ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم ، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم } ، قال أبو عمر : فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين مغنومين ظن أن ذلك صلح ، ولعمري إنه في الرجال والنساء والذرية لضرب من الصلح ، ولكنهم لم يتركوا أرضهم ، إلا بالحصار والقتال ، فكان حكم أرضهما كحكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها قال : وربما شبه على هذا القائل بحديث بشير بن يسار { أنه عليه السلام قسم خيبر نصفين ، نصفا له ، ونصفا للمسلمين }.

قال : وهذا إن صح ، فمعناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه ، لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما ، فوقع سهم النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة معه في ثمانية عشر سهما ، ووقع سائر الناس في باقيها ، وكلهم ممن شهد الحديبية ، ثم خيبر ، وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا ، ولو كانت صلحا لملكها أهلها ، كما يملك أهل الصلح أرضهم ، وسائر أموالهم ، قال : فالحق في ذلك ما قاله ابن إسحاق عن الزهري ، دون ما قاله موسى بن عقبة عنه انتهى كلام أبي عمر .

قال أبو الفتح : ويترجح ما قاله موسى بن عقبة وغيره : إن بعض خيبر كان صلحا ، بما أخرجه أبو داود من طريق ابن وهب عن مالك عن الزهري { أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها [ ص: 253 ] صلحا ، والكتيبة أكثرها كان عنوة ، وفيها صلح ، قلت لمالك : وما الكتيبة ؟ قال : أرض خيبر ، وهي أربعون ألف عذق }وروى أبو داود أيضا عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتح بعض خيبر عنوة }وروي أيضا من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري ، وعبد الله بن أبي بكر ، وبعض ولد محمد بن مسلمة ، قالوا : { بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ، ويسيرهم ، ففعل : فسمع بذلك أهل فدك ، فنزلوا على مثل ذلك }.

قال : وروى أبو داود أيضا من حديث حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر ، قال : أحسبه عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر ، فغلب على النخل والأرض ، وألجأهم إلى قصرهم ، فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة ، ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ، ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ، ولا عهد ، فغيبوا مسكا لحيي بن أخطب ، وقد كان قتل قبل خيبر ، كان احتمله معه يوم بني النضير حين أجليت النضير ، فيه حليهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعية بن عمرو أين مسك حيي بن أخطب ؟ قال : أذهبته الحروب والنفقات ، فوجدوا المسك ، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وأراد أن يجليهم ، فقالوا : يا محمد دعنا نعمل في هذه الأرض ، ولنا الشطر ما بدأ لكم ، ولكم الشطر } ، وزاد البلاذري فيه : قال : { فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية بن عمرو إلى الزبير فمسه بعذاب ، فقال : رأيت حييا يطوف في هذه الخربة ، ففتشوها ، فوجدوا المسك ، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق ، وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم ، للنكث الذي نكثوا ، ففي هذا أنها فتحت صلحا ، وأن الصلح انتقض ، فصارت عنوة ، ثم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمها }

، وفي رواية بشير بن يسار المرسلة : { أنه عليه السلام عزل شطرها ثمانية عشر سهما لنوائب المسلمين ، فكان منها الوطيح ، والسلالم ، والكتيبة التي كان بعضها صلحا وبعضها عنوة ، وقد تكون غلب عليها حكم الصلح ، فلذلك لم يقسم فيما قسم بين الغانمين ، والوطيح ، والسلالم } ، لم يجر لهما ذكر صريح في العنوة ، فصار هذا القول قويا انتهى كلام أبي الفتح رحمه الله .

[ ص: 254 ] قوله : { وإن شاء أقر أهلها عليها ، ووضع عليهم الجزية ، وعلى أراضيهم الخراج ، هكذا فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بموافقة من الصحابة } ، ولم يحمد من خالفه قلت : روى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عثمان بن حنيف " أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز " ح " وأخبرنا مخبر عن ابن أبي ليلى عن الحكم ، ومحمد بن الميسر أن عمر بن الخطاب وجه عثمان بن حنيف على خراج السواد ، ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم ، وأمره أن يمسح السواد عامره وغامره ، ولا يمسح سبخة ، ولا تلا ، ولا أجمة ، ولا مستنقع ماء ، ولا ما لا يبلغه الماء ، فمسح عثمان كل شيء دون الجبل يعني حلوان إلى أرض العرب وهو أسفل الفرات وكتب إلى عمر : إني وجدت كل شيء بلغه الماء من عامر وغامر ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، وكان ذراع عمر الذي مسح به السواد ذراعا وقبضة ، فكتب إليه عمر : أن افرض الخراج على كل جريب عامر أو غامر ، عمله صاحبه ، أو لم يعمله ، درهما وقفيزا ، وافرض على الكرم ، وعلى كل جريب عشرة دراهم ، وعلى الرطاب [ ص: 255 ] خمسة دراهم ، وأطعمهم النخل والشجر ، وقال : هذا قوة لهم على عمارة بلادهم ، وفرض على رقابهم ، على الموسر ثمانية وأربعين درهما ، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين درهما ، وعلى من لم يجد شيئا اثني عشر درهما ، وقال : درهم لا يعوز رجلا في كل شهر ، ورفع عنهم الرق بالخراج الذي وضعه في رقابهم ، وجعلهم أكرة في الأرض ، فحمل من خراج سواد الكوفة إلى عمر في أول سنة ، ثمانون ألف ألف درهم ، ثم حمل من قابل ، مائة وعشرون ألف ألف درهم ، ولم يزل كذلك انتهى .

ورواه ابن زنجويه في " كتاب الأموال " حدثنا الهيثم بن عدي أنبأني عبد الله بن عباس عن الشعبي " ح " وأنبأنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز " ح " قال الهيثم : وأنبأنا ابن أبي ليلى عن الحكم ، قالوا : وجه عمر عثمان بن حنيف ، الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية