نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 284 ] ( ولا يسهم لمملوك ولا امرأة ولا صبي ولا ذمي ولكن يرضخ لهم على حسب ما يرى الإمام ) لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد وكان يرضخ لهم }.

[ ص: 285 - 286 ] ولما استعان عليه الصلاة والسلام باليهود لم يعطهم شيئا من الغنيمة يعني أنه لم يسهم لهم ، ولأن الجهاد عبادة والذمي ليس من أهل العبادة والصبي والمرأة عاجزان عنه ، ولهذا لم يلحقهما فرضه والعبد لا يمكنه المولى وله منعه إلا أنه يرضخ لهم تحريضا على القتال مع إظهار انحطاط رتبتهم ، والمكاتب بمنزلة العبد لقيام الرق وتوهم عجزه فيمنعه المولى عن الخروج إلى القتال ، ثم العبد إنما يرضخ له إذا قاتل ; لأنه دخل لخدمة المولى فصار كالتاجر ، والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى ، وتقوم على المرضى لأنها عاجزة عن حقيقة القتال ، فيقام هذا النوع من الإعانة مقام القتال بخلاف العبد لأنه قادر على حقيقة القتال ، والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق ، ولم يقاتل لأن فيه منفعة للمسلمين إلا أنه يزاد على السهم في الدلالة إذا كانت فيه منفعة عظيمة ، ولا يبلغ به السهم إذ قاتل ; لأنه جهاد والأول ليس من عمله ، ولا يسوى بينه وبين المسلم في حكم الجهاد .


[ ص: 284 ] الحديث السابع عشر : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسهم للنساء ، ولا للصبيان ، ولا للعبيد ، وكان يرضخ لهم }قلت : أخرج مسلم عن يزيد بن هرمز ، قال : كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن العبد ، والمرأة يحضران المغنم ، هل يقسم لهما ؟ فكتب إليه أنه ليس لهما شيء ، إلا أن يحذيا ، مختصر .

وفي لفظ فكتب إليه : وسألت عن المرأة ، والعبد ، هل كان لهما سهم معلوم إذا حضروا الناس ؟ فإنهم لم يكن لهم سهم معلوم ، إلا أن يحذيا من غنائم القوم ، مختصر .

وفي لفظ : { إن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله ، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ، وهل كان يضرب لهن بسهم ؟ فكتب إليه : قد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ، ويحذين من الغنيمة ، فأما بسهم ، فلم يكن يضرب لهن } ، مختصر .

ورواه أبو داود ، ولفظه عن يزيد بن هرمز ، قال : كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن النساء ، هل كن يشهدن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كان يضرب لهن بسهم ؟ قال : فأنا كتبت كتاب ابن عباس إلى نجدة ، قد كن يحضرن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يضرب لهن بسهم فلا ، وقد كان يرضخ لهن انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري ، ومسلم عن ابن عمر ، قال : { عرضني رسول الله يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزني ، وعرضني يوم الخندق ، وأنا ابن خمس عشرة سنة ، فأجازني }.

قال نافع : فقدمت على عمر بن عبد العزيز ، وهو يومئذ خليفة ، فحدثته هذا الحديث ، فقال : إن هذا الحد بين الصغير ، والكبير ، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة ، زاد مسلم : { ومن كان دون ذلك ، فاجعلوه في العيال }انتهى : وفي لفظ لهما : فاستصغرني ، مكان لم يجزني .

[ ص: 285 ] حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن عمير مولى آبي اللحم ، قال : { شهدت ، خيبر مع ساداتي ، فكلموا في رسول الله ، فأمرني ، فقلدت سيفا ، فإذا أنا أجره ، فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، انتهى .

أحاديث مخالفة لما تقدم .

أخرجه أبو داود والنسائي عن رافع بن سلمة عن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه { أنها خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر ، سادس ست نسوة ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلينا ، فجئنا ، فرأينا في وجهه الغضب ، فقال : مع من خرجتن ؟ وبإذن من خرجتن ؟ فقلن : يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ، ونعين في سبيل الله ، ومعنا دواء للجرحى ، ونناول السهام ، ونسقي السويق ، فقال : قمن ، حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا ، كما أسهم للرجال ، قال : فقلت لها : يا جدة ، وما كان ذلك ؟ قالت : تمرا }انتهى .

وجدة حشرج هي أم زياد الأشجعية وذكر الخطابي أن الأوزاعي ، قال : يسهم لهن ، قال : وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث ، وإسناده ضعيف لا تقوم به الحجة ، فالجواب ما قاله الطحاوي أنه يحتمل أنه عليه السلام استطاب أنفس أهل الغنيمة ، وقال غيره : يشبه أن يكون عليه السلام إنما أعطاهم من الخمس الذي هو حقه ، دون حقوق من شهد الوقعة ، قال الترمذي : قال الأوزاعي : ويسهم للمرأة ، والصبي ، { لأنه عليه السلام أسهم للصبيان بخيبر ، وأسهم أئمة المسلمين بكل مولود ولد في أرض الحرب ، وأسهم عليه السلام للنساء بخيبر ، وأخذ بذلك المسلمون بعده } ، حدثنا بذلك علي بن حشرج ثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي بهذا انتهى .

ولما ذكر عبد الحق في " أحكامه " حديث حشرج بن زياد أتبعه ، أن قال : وحشرج لا أعلم روى عنه إلا رافع بن سلمة بن زياد ، قال ابن القطان : وحال رافع بن سلمة لا يعرف ، وإن كان قد [ ص: 286 ] روى عنه جماعة : كزيد بن الحباب ، ومسلم بن إبراهيم ، وسعيد بن سليمان وغيرهم ، قال : وذكر ابن حزم هذا الحديث ، ثم قال : ورافع .

وحشرج مجهولان ، وأصاب في ذلك ، انتهى .

{ حديث آخر } : في " مراسيل " أبي داود عن محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي عن خالد بن معدان { أن رسول الله أسهم للنساء ، والصبيان ، والخيل }انتهى .

قال ابن القطان : ومع إرساله فمحمد بن عبد الله بن مهاجر مختلف فيه ، قال دحيم : كان ثقة ، وضعفه أبو حاتم ، وقال : لا يحتج له انتهى كلامه .

الحديث الثامن عشر : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان باليهود على اليهود ، ولم يعطهم من الغنيمة شيئا يعني لم يسهم لهم }قلت : روى البيهقي في " كتاب المعرفة " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد قالا : ثنا أبو العباس أنا الربيع ، قال : قال الشافعي فيما حكى عن أبي يوسف : قال : أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس [ ص: 287 ] { استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع ، فرضخ لهم ، ولم يسهم لهم }انتهى .

قال البيهقي : تفرد به الحسن بن عمارة ، وهو متروك انتهى .

وقال الواقدي في " المغازي في غزوة خيبر " : حدثني ابن أبي سبرة عن فطر الحارثي عن حزام بن سعد بن محيصة ، قال : { وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة من يهود المدينة غزا بهم أهل خيبر ، فأسهم لهم كسهمان المسلمين ، ويقال : أحذاهم ، ولم يسهم لهم }انتهى .

حديث مخالف لما تقدم : روى الترمذي في " جامعه " حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عزرة بن ثابت عن الزهري ، قال : { أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لقوم من اليهود قاتلوا معه } ، انتهى .

ورواه أبو داود في " مراسيله " حدثنا هناد ، والقعنبي ثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن الزهري ، فذكره وقال في آخره : زاد هناد : { مثل سهمان المسلمين }انتهى .

وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع ثنا سفيان عن ابن جريج عن الزهري { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغزو باليهود ، فيسهم لهم كسهام المسلمين }انتهى .

قال البيهقي : إسناده ضعيف ومنقطع ، انتهى .

وقال صاحب " التنقيح " : مراسيل الزهري ضعيفة ، كان يحيى القطان لا يرى إرسال الزهري ، وقتادة شيئا ، ويقول : هي بمنزلة الريح انتهى .

ورواية سهام المسلمين يدفع قول المصنف ، وهو محمول على الرضخ إلا أنها ضعيفة .

أحاديث معارضة لما تقدم : أخرج الجماعة إلا البخاري عن عروة عن عائشة { أنه عليه السلام خرج إلى بدر حتى إذا كان بحرة الوبر لحقه رجل من المشركين ، يذكر منه جرأة ونجدة ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئت لأتبعك ، وأصيب معك ، فقال عليه السلام : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : لا ، قال : ارجع ، فلن أستعين بمشرك ، قالت : ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل ، فقال له كما قال أول مرة ، فقال له عليه السلام ، كما قال أول مرة ، قالت : ثم رجع فأدركه بالبيداء ، فقال له كما قال أول مرة ، فقال له عليه السلام : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : نعم ، فقال له : فانطلق }انتهى .

[ ص: 288 ] حديث آخر } : رواه الحاكم في " المستدرك " من حديث يزيد بن هارون أنبأ مستلم بن سعيد الواسطي ، عن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده خبيب بن أساف ، قال : { أتيت أنا ورجل من قومي رسول الله ، وهو يريد غزوا ، فقلت : يا رسول الله ، إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم ، فقال : أسلما ، فقلنا : لا ، قال : قال : فإنا لا نستعين بالمشركين ، قال : فأسلمنا وشهدنا معه ، قال : فقتلت رجلا ، وضربني ضربة ، وتزوجت ابنته بعد ذلك ، فكانت تقول : لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح ، فأقول : لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار }انتهى .

قال الحاكم : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وخبيب صحابي معروف انتهى .

ورواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه في " مسانيدهم " ، والطبراني في " معجمه " من طريق ابن أبي شيبة ، قال ، في " التنقيح " : ومستلم ثقة ، وخبيب بن عبد الرحمن أحد الثقات الأثبات ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : روى إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن سعيد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع نظر وراءه ، فإذا كتيبة حسناء ، فقال : من هؤلاء ؟ قالوا : هذا عبد الله بن أبي ابن سلول في مواليه من اليهود : وهم رهط عبد الله بن سلام فقال : هل أسلموا ؟ قالوا : لا إنهم على دينهم ، قال : قولوا لهم : فليرجعوا ، فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين }انتهى .

ورواه الواقدي في " كتاب المغازي " ولفظه : { فقال : من هؤلاء ؟ قالوا : يا رسول الله هؤلاء حلفاء ابن أبي من يهود ، فقال عليه السلام : لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك }انتهى .

قال الحازمي في " كتاب الناسخ والمنسوخ " [ ص: 289 ] وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، فذهب جماعة إلى منع الاستعانة بالمشركين ، ومنهم أحمد مطلقا ، وتمسكوا بحديث عائشة المتقدم ، وقالوا : إن ما يعارضه لا يوازيه في الصحة ، فتعذر ادعاء النسخ ، وذهبت طائفة إلى أن للإمام أن يأذن للمشركين أن يغزوا معه ، ويستعين بهم بشرطين : أحدهما : أن يكون في المسلمين قلة بحيث تدعوا الحاجة إلى ذلك ، والثاني : أن يكونوا ممن يوثق بهم في أمر المسلمين ، ثم أسند إلى الشافعي أنه قال : الذي روى مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم رد مشركا أو مشركين ، وأبى أن يستعين بمشرك ، كان في غزوة بدر ، ثم إنه عليه السلام استعان في غزوة خيبر بعد بدر بسنتين بيهود من بني قينقاع ، واستعان في غزوة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية ، وهو مشرك } ، فالرد الذي في حديث مالك إن كان لأجل أنه مخير في ذلك بين أن يستعين به ، وبين أن يرده ، كما له رد المسلم لمعنى يخافه ، فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر ، وإن كان لأجل أنه مشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بالمشركين ، ولا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين ، إذا خرجوا طوعا ، ويرضخ لهم ، ولا يسهم لهم ، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لهم ، قال الشافعي .

ولعله عليه السلام إنما رد المشرك الذي رده في غزوة بدر ، رجاء إسلامه ، قال : وذلك واسع للإمام ، أن يرد المشرك ، ويأذن له ، انتهى .

وكلام الشافعي كله نقله البيهقي عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية