نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 295 ] فصل في التنفيل

قال : ( ولا بأس بأن ينفل الإمام في حالة القتال ويحرض به على القتال فيقول : من قتل قتيلا فله سلبه ، ويقول للسرية : قد جعلت لكم الربع بعد الخمس ) معناه بعدما رفع الخمس لأن التحريض مندوب إليه .

قال الله تعالى : { يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال }وهذا نوع تحريض ، ثم قد يكون التنفيل بما ذكر ، وقد يكون بغيره إلا أنه لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ ; لأن فيه إبطال حق الكل ، فإن فعله مع السرية جاز لأن التصرف إليه ، وقد تكون المصلحة فيه .


[ ص: 295 ] فصل في التنفيل .

الحديث الثاني والعشرون : قال عليه السلام : { من قتل قتيلا فله سلبه }قلت : أخرجه الجماعة إلا النسائي عن أبي قتادة الأنصاري ، قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، قال : فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، قال : فاستدرت له حتى أتيته من ورائه ، فضربته بالسيف على حبل عاتقه ، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت ، فأرسلني ، فلحقت عمر بن الخطاب ، فقلت : ما بال الناس ؟ قال : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سلبه قال : فقمت ، ثم قلت : من يشهد لي ، ثم جلست ، ثم قال : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، قال : فقمت ، قلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال : مثل ذلك الثانية ، فقمت فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا أبا قتادة ؟ فاقتصصت عليه القصة ، فقال رجل من [ ص: 296 ] القوم : صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه من حقه ، فقال أبو بكر الصديق : لاها الله ، إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن الله ، وعن رسوله ، فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق ، فأعطه إياه قال أبو قتادة : فأعطانيه ، فبعت الدرع ، فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه مسلم عن جبير بن نفير عن { عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد : ألم تعلم يا خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى } ، مختصر ، وفيه قصة وأخرجه أبو داود عن عوف ، وخالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قضى بالسلب للقاتل ، ولم يخمس السلب }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " سننه " عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : من قتل كافرا فله سلبه ، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم ، ولقي أبو طلحة أم سليم ، ومعها خنجر ، فقال : يا أم سليم ما هذا معك ؟ قالت : أردت إن دنا مني بعضهم ، أبعج به بطنه ، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، انتهى .

ورواه ابن حبان في النوع [ ص: 297 ] الثالث ، من القسم الخامس ، والحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط مسلم ، لم يذكرا فيه قصة أم سليم ، وزاد فيه ، قال أبو قتادة : { يا رسول الله ضربت رجلا على حبل العاتق ، وعليه درع ، فأجهضت عنه ، فقال رجل : أنا أخذتها ، فأرضه منها ، فأعطنيها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، أو سكت ، فسكت صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه : والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ، ويعطيكها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : صدق عمر }انتهى .

{ حديث آخر } : رواه البيهقي في " المعرفة " عن الحاكم بسنده عن أبي مالك الأشجعي عن نعيم بن أبي هند عن ابن سمرة عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قتل قتيلا فله سلبه }انتهى .

واعلم أنه وقع في بعض كتب أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك يوم بدر أعني قوله : { من قتل قتيلا فله سلبه }قال شيخنا علاء الدين : وهو وهم ، وإنما قاله عليه الصلاة والسلام يوم حنين ، كما صرح به في " مسلم وغيره " ، والذي قاله عليه السلام يوم بدر شيء آخر غير ذلك ، كما رواه أبو داود في " سننه " من حديث داود عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : { من قتل قتيلا ، فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا } ، قال : فتقدم الفتيان ، ولزم المشيخة الرايات ، فلم يبرحوها ، فلما فتح الله عليهم ، قال المشيخة : كنا ردء لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا ، فلا تذهبوا بالمغنم ، ونبقى ، وأبى الفتيان ، وقالوا : جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ، فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الأنفال }إلى قوله : { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون }انتهى .

وقال مالك في " الموطإ " : ولم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من : { قتل قتيلا فله سلبه }إلا يوم حنين انتهى .

قلت : ورد أنه عليه السلام قاله يوم بدر أيضا ، لكنه من طريق ضعيف ، [ ص: 298 ] رواه ابن مردويه في " تفسيره في أول سورة الأنفال " ، فقال : حدثنا أبو عمر ، وأحمد بن محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا آدم ثنا إسماعيل بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .

وعن عطاء بن عجلان عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : من قتل قتيلا فله سلبه ، فجاء أبو اليسر بأسيرين ، فقال : سعد بن عبادة ، أي رسول الله ، أما والله ما كان بنا جبن عن العدو ، ولا ضن بالحياة أن نصنع ما صنع إخواننا ، ولكنا رأيناك قد أفردت ، فكرهنا أن ندعك بمضيعة ، قال : فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوزعوا تلك الغنائم بينهم }انتهى .

طريق آخر : رواه الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني عبد الحميد بن جعفر ، قال : سألت موسى بن سعد بن زيد بن ثابت ، { كيف فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر في الأسرى ، والأسلاب ، والأنفال ؟ فقال : نادى مناديه يومئذ : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومن أسر أسيرا فهو له ، فكان يعطي من قتل قتيلا سلبه }انتهى .

قال الشيخ أبو الفتح اليعمري في " سيرته عيون الأثر في باب قصة بدر " : والمشهور في قوله عليه السلام : { من قتل قتيلا فله سلبه }إنما كان يوم حنين ، وأما يوم بدر فوقع من رواية من لا يحتج به ، ثم ساقه بسنده إلى محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح به سندا ومتنا ، قال : والكلبي ضعيف ، وروايته عن أبي صالح عن ابن عباس مخصوصة بمزيد ضعف انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية