نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 317 ] ( وكل أرض فتحت عنوة فأقر أهلها عليها فهي أرض خراج ) وكذا إذا صالحهم لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به ومكة مخصوصة من هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة وتركها لأهلها ولم يوظف الخراج . .


الحديث الثاني : روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة ، وتركها لأهلها ، ولم يوظف الخراج }; قلت : فيه أحاديث ، استدل بها العلماء على أن مكة فتحت عنوة : منها ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة ، فقال : { أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة ، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر ، وأخذوا بطن الوادي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة ، قال : فنظر إلي وقال : يا أبا هريرة ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : اهتف لي بالأنصار ، فلا يأتيني إلا أنصاري ، فهتف بهم ، فجاءوا ، فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ووبشت قريش أوباشها ، فقال لهم : ألا ترون إلى أوباش قريش ، وأتباعهم ؟ ، ثم قال بيده فضرب إحداهما على الأخرى ، وقال : احصدوهم حصدا ، حتى توافوني بالصفا ، قال أبو هريرة : فانطلقنا ، فما شاء أحد منا أن يقتل من شاء منهم ، إلا قتله ، وما توجه أحد منهم إلينا شيئا ، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا ، وجاءت الأنصار ، فأطافوا بالصفا ، فجاء [ ص: 318 ] أبو سفيان ، فقال : يا رسول الله أبيدت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، فقالت الأنصار : أما الرجل ، فأخذته رأفة بعشيرته ، ورغبة في قرابته ، ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قلتم : أما الرجل فأخذته رأفة بعشيرته ، ورغبة في قرابته ، كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله ، وإليكم ، فالمحيا محياكم والممات مماتكم ، قالوا : والله ما قلنا إلا ضنا بالله وبرسوله ، قال : فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم }انتهى .

ورواه ابن حبان في " صحيحه " وقال : هذا أدل دليل على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري ، ومسلم عن { أم هانئ أنها أجارت رجلا من المشركين يوم الفتح ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت }انتهى . قال المنذري في " مختصره " : استدل بهذا الحديث على أن مكة فتحت عنوة إذ لو فتحت صلحا لوقع به الأمان العام ، ولم يحتج إلى أمان أم هانئ ، ولا تجديده من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجاه أيضا في " الصحيحين " عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وأنها لا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجاه أيضا في " الصحيحين " عن أبي شريح عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الغد من يوم الفتح : إن مكة حرمها الله ، ولم يحرمها الناس ، فلا تحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرا ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب }انتهى .

وبهذا الحديث استدل ابن الجوزي في " التحقيق " .

التالي السابق


الخدمات العلمية