نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( ولا عشر في الخارج من أرض الخراج ) وقال الشافعي رحمه الله : يجمع بينهما لأنهما حقان مختلفان وجبا في محلين بسببين مختلفين فلا يتنافيان ولنا : قوله عليه الصلاة والسلام : { لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم }. [ ص: 323 - 325 ] ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما وكفى بإجماعهم حجة ، ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهرا . والعشر في أرض أسلم أهلها طوعا ، والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة وسبب الحقين واحد وهو الأرض النامية إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقا وفي الخراج تقديرا ، ولهذا يضافان إلى الأرض ، وعلى هذا الخلاف الزكاة مع أحدهما . .


الحديث الثالث : قال عليه السلام : { لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم }; قلت : رواه ابن عدي في " الكامل " عن يحيى بن عنبسة ثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يجتمع على مسلم خراج وعشر }انتهى . قال ابن عدي : يحيى بن عنبسة منكر الحديث ، وإنما يروى هذا من قول إبراهيم ، وقد رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم ، قوله : فجاء [ ص: 323 ] يحيى بن عنبسة ، فأبطل فيه ، ووصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة مكشوف الأمر في ضعفه ، لرواياته عن الثقات الموضوعات انتهى .

وقال ابن حبان : ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث ، لا تحل الرواية عنه انتهى .

وقال الدارقطني : يحيى هذا دجال يضع الحديث ، وهو كذب على أبي حنيفة ، ومن بعده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وقال البيهقي : هو حديث باطل ، ويحيى هذا متهم بالوضع .

الآثار : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه في أواخر الزكاة " حدثنا إبراهيم بن المغيرة ختن لعبد الله بن المبارك عن أبي حمزة السكوني عن الشعبي ، قال : لا يجتمع عشر ، وخراج في أرض انتهى حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح عن أبي المنيب عن عكرمة ، قال : لا يجتمع عشر وخراج في مال انتهى .

فائدة : قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " الأراضي العشرية هي التي ليست بأرض خراج ، وهي أربعة أنواع : أحدها : أرض أسلم أهلها عليها ، فهم مالكون لها كالمدينة والطائف ، واليمن ، والبحرين ، وكذلك مكة ، إلا أنها كانت فتحت عنوة ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عليهم ، فلم يعرض لهم في أنفسهم ، ولم يغنم أموالهم ، قال : وحدثت عن محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مكة : لا تحل غنيمتها }. والنوع الثاني : كل أرض أخذت عنوة ، ثم إن الإمام لم ير أن يجعلها فيئا موقوفا ، ولكنه رأى أن يجعلها غنيمة فخمسها ، وقسم أربعة أخماسها بين الذين افتتحوها خاصة ، كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلمبخيبر ، فهي أيضا ملكهم ، ليس فيها غير العشر ، وكذلك الثغور كلها إذا قسمت بين الذين افتتحوها خاصة ، وعزل عنها الخمس لمن سمى الله . والنوع الثالث : كل أرض عادية لا رب لها ، ولا عامر ، أقطعها الإمام رجلا إقطاعا من جزيرة العرب أو غيرها ، كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ، فيما أقطعوا من بلاد اليمن ، واليمامة ، والبصرة ، وما أشبهها . [ ص: 324 ] والنوع الرابع : كل أرض ميتة استخرجها رجل من المسلمين ، فأحياها بالنبات والماء . فهذه الأرضون التي جاءت فيها السنة بالعشر ، أو نصف العشر ، وكلها موجودة في الأحاديث ، فما أخرج الله من هذه فهو صدقة ; إذا بلغ خمسة أوسق فصاعدا ، كزكاة الماشية ، والصامت يوضع في الأصناف الثمانية المذكورة في " سورة براءة " خاصة دون غيرهم من الناس ، وما سوى هذه من البلاد ، فلا تخلو من أن تكون أرض عنوة صيرت فيئا كأرض السواد ، والجبال ، والأهواز ، وفارس ، وكرمان ، وأصبهان ، والري ، وأرض الشام ، سوى مدنها ، ومصر ، والمغرب ; أو يكون أرض صلح ، مثل : نجران ، وأيلة ، وأذرح ، ودومة الجندل ، وفدك ، وما أشبهها ، مما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلحا ، أو فعلته الأئمة بعده ، وكبلاد الجزيرة ، وبعض أرمينية ، وكثير من كور خراسان ، فهذان النوعان من الأرضين ، الصلح ، والعنوة التي تصير فيئا يكونان عاما للناس في الأعطية ، وأرزاق الذرية ، وما ينوب الإمام من أمور المسلمين انتهى كلامه

. وقال في موضع آخر : الأرض المفتتحة ثلاثة أنواع : أحدها الأراضي التي أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك ، وهي أرض عشر لا شيء عليهم غيره ، وأرض افتتحت صلحا على خراج معلوم ، فهم على ما صولحوا عليه ، لا يلزمهم أكثر منه ، وأرض أخذت عنوة فهي مما اختلف فيها ، فقيل : سبيلها سبيل الغنيمة ، تخمس ، وتقسم ، فيكون أربعة أخماسها بين الغانمين ، والخمس الباقي لمن سمى الله تعالى ; وقيل : النظر فيها للإمام إن شاء جعلها غنيمة ، فيخمسها ويقسمها ، وإن شاء جعلها موقوفة على المسلمين ما بقوا ، كما فعل عمر بالسواد انتهى كلامه محررا . أحاديث الخصوم : استدل ابن الجوزي في " التحقيق " للشافعي في الجمع بين العشر ، والخراج بعموم الحديث عن ابن عمر عن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سن فيما سقت السماء والعيون ، أو كان عثريا العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر } ، انفرد به البخاري ، قال : وهذا عام في الأرض الخراجية ، وغيرها ، قال ابن قتيبة : العثري الذي [ ص: 325 ] يؤتى بماء المطر إليه حتى يسقيه ، وإنما سمي عثريا ، لأنهم يجعلون في مجرى السيل عاثورا ، فإذا صدمه الماء زاد ، فدخل في تلك المجاري حتى يبل النخل ويسقيه انتهى كلامه . واستدل الشيخ تقي الدين في " الإمام " للشافعي بما أخرجه البيهقي عن يحيى بن آدم ثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن ميمون بن مهران ، قال : سألت عمر بن عبد العزيز عن المسلم يكون في يده أرض الخراج ، فيسأل الزكاة ، فيقول : إنما على الخراج ، فقال : الخراج على الأرض ، والعشر على الحب ; وأخرج أيضا عن يحيى ثنا ابن المبارك عن { يونس ، قال : سألت الزهري عن زكاة الأرض التي عليها الجزية ، فقال : لم يزل المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده يعاملون على الأرض ، ويستكرونها ، ويؤدون الزكاة مما خرج منها ، فنرى هذه الأرض على نحو ذلك }انتهى .

قال الشيخ : الأول فتوى عمر بن عبد العزيز ، والثاني فيه إرسال عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى . ذكره في " الزكاة " .

قوله : ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما ، وكفى بإجماعهم حجة . .

التالي السابق


الخدمات العلمية