نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل

( ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة }والمراد إحداثها ( وإن انهدمت البيع والكنائس القديمة أعادوها ) لأن الأبنية لا تبقى دائما ، ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة إلا أنهم لا يمكنون من نقلها لأنه إحداث في الحقيقة ، والصومعة للتخلي فيها بمنزلة البيعة بخلاف موضع الصلاة في البيت لأنه تبع [ ص: 340 ] للسكنى ، وهذا في الأمصار دون القرى لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر ، فلا تعارض بإظهار ما تخالفها ، وقيل : في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضا لأن فيها بعض الشعائر ، والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة ، لأن أكثر أهلها أهل الذمة . وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يجتمع دينان في جزيرة العرب }.


فصل :

الحديث السادس : قال عليه السلام : { لا خصاء في الإسلام ، ولا كنيسة }; قلت : أخرجه البيهقي في " سننه " عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا خصاء في الإسلام ، ولا بنيان كنيسة } ، وضعفه ; وروى أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا عبد الله بن صالح [ ص: 340 ] ثنا الليث بن سعد حدثني توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر عمن أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا خصاء في الإسلام ، ولا كنيسة }انتهى . وحدثني أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال : قال عمر بن الخطاب : لا كنيسة في الإسلام ، ولا خصاء انتهى .

وروى ابن عدي في " الكامل " حدثنا الحسين بن سفيان ثنا محمد بن جامع ثنا سعيد بن عبد الجبار عن أبي المهدي سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تبنى كنيسة في الإسلام ، ولا يبنى ما خرب منها } ، انتهى .

ومن جهة ابن عدي ، ذكره عبد الحق في " أحكامه " ، وأعله تبعا لابن عدي بسعيد بن سنان ، قال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وأسند تضعيفه عن أحمد ، وابن معين ، قال ابن القطان في " كتابه " : وفيه من الضعفاء غير سعيد محمد بن جامع أبو عبد الله العطار قال أبو زرعة : ليس بصدوق ، وامتنع أبو حاتم من الرواية عنه ، وسعيد بن عبد الجبار أيضا ضعيف ، بل متروك ; حكى البخاري أن جرير بن عبد الحميد كان يكذبه ، فلعل العلة فيه غير سعيد بن سنان ، والله أعلم انتهى كلامه . قال عبد الحق : وأبو المهدي كان رجلا صالحا ، لكن حديثه ضعيف لا يحتج به انتهى .

الحديث السابع : قال عليه السلام : { لا يجتمع دينان في جزيرة العرب }; قلت : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا النضر بن شميل ثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي [ ص: 341 ] توفي فيه : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب } ، وفيه قصة ; ورواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب أهل الكتاب " أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يجتمع بأرض العرب أو قال : بأرض الحجاز دينان ; ورواه في الزكاة ، وزاد فيه : فقال عمر لليهود : من كان منكم عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت به ، وإلا فإني مجليكم ، قال : فأجلاهم عمر ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في مرض موته }انتهى .

ورواه ابن هشام في " السيرة " عن ابن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة ، قالت : { كان آخر ما عهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان }انتهى .

قال الدارقطني في " علله " : وهذا حديث صحيح انتهى .

ورواه مالك في " الموطإ " قال أبو مصعب : [ ص: 342 ] أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن رسول الله قال : { لا يجتمع دينان في جزيرة العرب قال مالك : قال ابن شهاب : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ، فأجلى يهود خيبر ، وأجلى يهود نجران ، وفدك }انتهى . أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : { كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا يبقين دينان بأرض العرب }انتهى .

ذكره في أواخر الكتاب ، وأسند أبو داود عن سعيد بن عبد العزيز ، قال : جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن ، إلى تخوم العراق ، إلى البحر ، انتهى ، وقال المنذري في " مختصره " : قال مالك : جزيرة العرب المدينة نفسها ، وروي عنه أنها الحجاز ، واليمن واليمامة ، وما لم يبلغه ملك فارس ، والروم ، وحكى البخاري عن المغيرة ، قال : هي مكة ، والمدينة : وقال الأصمعي : هي من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما العرض ، فمن جدة ، وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام ، وسميت الجزيرة جزيرة لانحسار الماء عن موضعها ، والجزر هو القطع ، لأنها جزرت عنها المياه التي حواليها ، كبحر البصرة ، وعمان ، وعدن ، والفرات ، وقيل : لأن حواليها بحر الحبش ، وبحر فارس ، ودجلة ، والفرات ; وقال الأزهري : سميت جزيرة لأن بحر فارس ، وبحر السواد أحاط بجانبيها يعني الجنوبي وأحاط بالجانب الشمالي دجلة ، والفرات ، انتهى .

[ ص: 343 ] وحديث : { أخرجوا المشركين من جزيرة العرب } ، أخرجه البخاري في " الجزية " ، ومسلم في " آخر الوصايا " كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : { لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ، قال : ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي ، فتنازعوا ، وقالوا : ما شأنه أهجر ؟ استفهموه ، فقال : دعوني أوصيكم بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، قال : وسكت عن الثالثة }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية