نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 346 ] ( وأما المرتدة فلا تقتل ) وقال الشافعي رحمه الله : تقتل لما روينا ، ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل من حيث إنه جناية مغلظة فتناط بها عقوبة مغلظة وردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها . ولنا أن { النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل النساء } ، ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء ، وإنما عدل عنه دفعا لشر ناجز ، وهو الحراب ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجال فصارت المرتدة كالأصلية . قال : ( ولكن تحبس حتى تسلم ) لأنها امتنعت عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار ، فتجبر على إيفائه بالحبس كما في حقوق العباد . .


الحديث الثاني : روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء }; قلت : تقدمت الأحاديث في ذلك . ومن أحاديث الباب : ما أخرجه الدارقطني في سننه في الحدود " عن عبد الله بن عيسى الجزري ثنا عفان ثنا شعبة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تقتل المرأة إذا ارتدت } ، انتهى .

قال الدارقطني : وعبد الله هذا كذاب . يضع الحديث على عفان . وغيره ، وهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا رواه شعبة [ ص: 347 ] انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا هرمز بن معلى ثنا محمد بن سلمة عن الفزاري عن مكحول عن أبي طلحة اليعمري عن أبي ثعلبة الخشني عن معاذ بن جبل { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه إلى اليمن : أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه ، فإن تاب ، فاقبل منه ، وإن لم يتب ، فاضرب عنقه ، وأيما [ ص: 348 ] امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن تابت ، فاقبل منها ، وإن أبت فاستتبها }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن حفص بن سليمان أبي عمرو الأسدي عن موسى بن أبي كثير عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت فلم يقتلها }انتهى .

وقال : هذا حديث لا يرويه عن موسى بن أبي كثير غير حفص ، وضعف حفص بن سليمان عن أحمد ، والنسائي ، وابن معين ، وقال ابن عدي : وعامة ما يرويه غير محفوظ انتهى .

قال أبو الفتح اليعمري في سيرته عيون الأثر " : حديث : { من بدل دينه فاقتلوه } ، وحديث : { أنه عليه السلام نهى عن قتل النساء }عامان متعارضان ، وكل من الفريقين يخص أحد الحديثين بالآخر ، ولكن حديث : { من بدل دينه فاقتلوه } ، فيه مع العموم قوة أخرى ، وهي تعليق الحكم بالردة والتبديل انتهى .

وقال السهيلي في " الروض الأنف " : ولم يصب من قاس المرتدة على نساء الحرب ، فإن المرتدة لا تسترق ، ولا تسبى كما تسبى نساء الحرب ، فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل نساء الحرب ، ليكن مالا للمسلمين انتهى .

الآثار : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، ووكيع عن أبي حنيفة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ، قال : النساء لا يقتلن إذا هن ارتددن عن الإسلام ، ولكن يحبسن ، ويدعين إلى الإسلام ، ويجبرن عليه انتهى .

ورواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة به ; ورواه عبد الرزاق في [ ص: 349 ] مصنفه في أواخر القصاص " أخبرنا سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين به ; ومن طريق عبد الرزاق رواه الدارقطني في " سننه " ، إلا أنه قال : عن الثوري عن أبي حنيفة عن عاصم ، فليحرر ذلك ، ثم أسند الدارقطني عن يحيى بن معين ، قال : كان الثوري يعيب على أبي حنيفة حديثا كان يرويه ، ولم يروه غير أبي حنيفة عن عاصم عن أبي رزين انتهى . ثم أخرجه الدارقطني عن أبي مالك النخعي عن عاصم بن أبي النجود .

[ ص: 350 ] به . أثر آخر : رواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أمر في أم ولد تنصرت ، أن تباع في أرض ذات مؤنة عليها ، ولا تباع في أهل دينها ، فبيعت بدومة الجندل ، من غير أهل دينها انتهى .

أثر آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن خلاس بن عمرو عن علي ، قال : المرتدة تستتاب ولا تقتل انتهى .

ثم قال : وخلاس ضعيف ، وأخرج عبد الرزاق نحوه عن عطاء ، والحسن ، وإبراهيم النخعي .

أحاديث الخصوم : أخرج الدارقطني عن عبد الله بن أذينة عن هشام بن الغاز عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله ، قال : { ارتدت امرأة عن الإسلام ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرضوا عليها الإسلام ، فإن أسلمت وإلا قتلت ، فعرض عليها فأبت ، أن تسلم ، فقتلت }انتهى .

وعبد الله بن أذينة جرحه ابن حبان ، فقال : لا يجوز الاحتجاج به بحال ; وقال الدارقطني في " المؤتلف والمختلف " : متروك ; ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وقال : عبد الله بن عطارد بن أذينة منكر الحديث ، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما ، انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن محمد بن عبد الملك الأنصاري عن [ ص: 351 ] الزهري عن عروة عن عائشة قالت : { ارتدت امرأة يوم أحد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب ، فإن تابت ، وإلا قتلت }انتهى . ومحمد بن عبد الملك هذا ، قال أحمد . وغيره فيه : يضع الحديث .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن معمر بن بكار السعدي ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر ، { أن امرأة يقال لها : أم مروان ارتدت عن الإسلام ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام ، فإن رجعت ، وإلا قتلت }انتهى .

ومعمر بن بكار في حديثه وهم ، قاله العقيلي ، وهذا الحديث ملحق بالأول .

الآثار : أخرج الدارقطني عن سعيد بن عبد العزيز أن أبا بكر رضي الله عنه قتل أم قرفة الفزارية في ردتها قتلة مثلة ، شد رجليها بفرسين ، ثم صاح بهما ، فشقاها ، لكن قيل : إن سعيدا هذا لم يدرك أبا بكر ، فيكون منقطعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية