نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب البغاة

( وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم ) لأن عليا رضي الله عنه فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم ولأنه أهون الأمرين ولعل الشر يندفع به فيبدأ به . .


باب البغاة قوله : وكشف الإمام عن شبهتهم ، لأن عليا فعل كذلك بأهل حروراء ; قلت : رواه [ ص: 358 ] النسائي في " سننه الكبرى في خصائص علي " فقال : أخبرنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل سماك الحنفي حدثني عبد الله بن عباس ، قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار ، وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة ، لعلي أكلم هؤلاء القوم ، قال : إني أخافهم عليك ، قلت : كلا ، فلبست ثيابي ، ومضيت حتى دخلت عليهم في دار ، وهم مجتمعون فيها ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار ، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، فهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون ، وأبلغهم ما تقولون ، فانتحى لي نفر منهم ، قلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن عمه ، وختنه ، وأول من آمن به ، قالوا : ثلاث ، قلت ما هي ؟ قالوا : إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال الله تعالى : { إن الحكم إلا لله } ، قلت : هذه واحدة ، قالوا : وأما الثانية : فإنه قاتل ، ولم يسب ، ولم يغنم ، فإن كانوا كفارا لقد حلت لنا نساؤهم ، وأموالهم ، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت علينا دماؤهم ، قلت : هذه أخرى ، قالوا : وأما الثالثة : فإنه محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير الكافرين ، قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ، وحدثتكم من سنة نبيه ما يرد قولكم هذا ، ترجعون ؟ قالوا : اللهم نعم ، قلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فأنا أقرأ عليكم أن قد صير الله [ ص: 359 ] حكمه إلى الرجال في أرنب ثمنها ربع درهم ، قال تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ، إلى قوله : { يحكم به ذوا عدل منكم }وقال في المرأة وزوجها : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها }أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أحق ، أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ فقالوا : اللهم بل في حقن دمائهم ، وإصلاح ذات بينهم ، قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم ، قلت : وأما قولكم : إنه قاتل ، ولم يسب ، ولم يغنم ، أتسبون أمكم عائشة ، فتستحلوا منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ، لئن فعلتم لقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمنا فقد كفرتم ، قال الله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم } ، فأنتم بين ضلالتين ، فأتوا منهما بمخرج ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم ، قلت : وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن { رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينهم وبينه كتابا ، فقال : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال : والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، يا علي اكتب : محمد بن عبد الله } ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي ، وقد محا نفسه ، ولم يكن محوه ذلك محوا من النبوة ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم ، فرجع منهم ألفان ، وبقي سائرهم ، فقتلوا على ضلالتهم ، قتلهم المهاجرون والأنصار

انتهى . ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في أواخر القصاص " حدثنا عكرمة بن عمار به ، وقال في آخره : فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي منهم أربعة آلاف ، فقتلوا على ضلالتهم ، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال فيه : وكانوا ستة آلاف ، فرجع منهم ألفان ، وبقي سائرهم ، قتلوا على الضلالة ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه . طريق آخر : رواه أحمد في " مسنده " حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القارئ ، قال : [ ص: 360 ] جاء عبد الله بن شداد ، فدخل على عائشة ، ونحن عندها جلوس ، مرجعه من العراق ، ليالي قوتل علي رضي الله عنه ، فقالت له : يا عبد الله هل أنت صادقي عما أسألك عنه ؟ قال : وما لي لا أصدقك يا أم المؤمنين ، قالت : فحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ، قالت : فحدثني عن قصتهم ، قلت : إن عليا رضي الله عنه لما كاتب معاوية ، وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس ، فنزلوا بأرض يقال لها : حروراء من جانب للكوفة ، إلى أن قال : فبعث علي إليهم عبد الله بن عباس ، فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء ، فخطب ، فقال : يا حملة القرآن ، هذا عبد الله بن عباس ، فمن لم يكن يعرفه ، فأنا أعرفه ، من كتاب الله ما نعرفه به ، هذا ممن نزل فيه وفي قومه { قوم خصمون }فردوه إلى صاحبه ، ولا تواضعوه كتاب الله ، فقام خطباؤهم ، فقالوا : والله لنواضعنه كتاب الله ، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه ، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله ، فواضعهم عبد الله بن عباس الكتاب ، وواضعوه ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف ، فيهم ابن الكواء ، حتى أدخلهم الكوفة على علي ، وبعث علي إلى بقيتهم ، فقال لهم : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما ، أو تقطعوا سبيلا ، أو تظلموا ذمة ، فإنكم إن فعلتم نبذنا إليكم الحرب على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين ، مختصر ; ورواه الحاكم في " المستدرك " أيضا ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ، ومسلم ، ولم يخرجاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية