نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 393 ] فصل ( ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة ) وقال مالك رحمه الله : تجوز بالعروض والمكيل والموزون أيضا إذا كان الجنس واحدا ، لأنها عقدت على رأس مال معلوم فأشبه النقود بخلاف المضاربة لأن القياس يأباها لما فيها من ربح ما لم يضمن فيقتصر على مورد الشرع . ولنا أنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن لأنه إذا باع كل واحد منهما رأس ماله وتفاضل الثمنان ، فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يملك ، وما لم يضمن بخلاف الدراهم والدنانير لأن ثمن ما يشتريه في ذمته ، إذ هي لا تتعين فكان ربح ما يضمن ، ولأن أول التصرف في العروض البيع وفي النقود الشراء وبيع أحدهما ماله على أن يكون الآخر شريكا في ثمنه لا يجوز ، وشراء أحدهما شيئا بماله على أن يكون المبيع بينه وبين غيره جائز ، وأما الفلوس النافقة فلأنها تروج رواج الأثمان فألحقت بها ، قالوا : هذا قول محمد رحمه الله ، لأنها ملحقة بالنقود عنده حتى لا تتعين بالتعيين ، ولا يجوز بيع اثنين بواحد بأعيانها على ما عرف ، أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللهفلا تجوز الشركة والمضاربة بها لأن ثمنيتها تتبدل ساعة فساعة وتصير سلعا ، وروي عن أبي يوسف رحمه الله مثل قول محمد رحمه الله والأول أقيس وأظهر ، وعن أبي حنيفة رحمه الله صحة المضاربة بها . قال : ( ولا تجوز الشركة بما سوى ذلك إلا أن يتعامل الناس بالتبر ) والنقرة فتصح الشركة بهما هكذا ذكر في الكتاب ( وفي الجامع الصغير : ولا تكون المفاوضة بمثاقيل ذهب أو فضة ) ومراده التبر ، فعلى هذه الرواية التبر سلعة تتعين بالتعيين فلا تصلح رأس المال في المضاربات والشركات . وذكر في كتاب الصرف أن النقرة لا تتعين بالتعيين حتى لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل التسليم ، فعلى تلك الرواية تصلح رأس المال فيهما ، وهذا لما عرف أنهما خلقا [ ص: 394 ] ثمنين في الأصل إلا أن الأول أصح لأنها وإن خلقت للتجارة في الأصل لكن الثمنية تختص بالضرب المخصوص ، لأن عند ذلك لا تصرف إلى شيء آخر ظاهرا ، إلا أن يجري التعامل باستعمالهما ثمنا فينزل التعامل بمنزلة الضرب فيكون ثمنا ويصلح رأس المال ، ثم قوله : ولا تجوز بما سوى ذلك ، يتناول المكيل والموزون والعددي المتقارب ، ولا خلاف فيه بيننا قبل الخلط ولكل واحد منهما ربح متاعه وعليه وضيعته ، وإن خلطا ثم اشتركا فكذلك في قول أبي يوسف رحمه الله والشركة شركة ملك لا شركة عقد . وعند محمد رحمه الله تصح شركة العقد ، وثمرة الاختلاف تظهر عند التساوي في المالين واشتراط التفاضل في الربح ، فظاهر الرواية ما قاله أبو يوسف رحمه الله لأنه يتعين بالتعيين بعد الخلط كما تعين قبله . ولمحمد رحمه الله أنها ثمن من وجه حتى جاز البيع بها دينا في الذمة ومبيع من حيث إنه يتعين بالتعيين فعملنا بالشبهين بالإضافة إلى الحالين ، بخلاف العروض لأنها ليست ثمنا بحال ، ولو اختلفا جنسا كالحنطة والشعير والزيت والثمن فخلطا لا تنعقد الشركة بها بالاتفاق . والفرق لمحمد رحمه الله أن المخلوط من جنس واحد من ذوات الأمثال ومن جنسين من ذوات الأمثال ومن جنسين من ذوات القيم فتتمكن الجهالة كما في العروض ، وإذا لم تصح الشركة فحكم الخلط قد بيناه في كتاب القضاء . قال : ( وإذا أرادا الشركة بالعروض باع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقدا الشركة ) . قال رضي الله عنه ( وهذه شركة ملك ) لما بينا أن العروض لا تصلح رأس مال الشركة ، وتأويله إذا كان قيمة متاعهما على السواء ، ولو كان بينهما تفاوت يبيع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة . .

التالي السابق


الخدمات العلمية