نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب خيار الشرط ( خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري ) ( ولهما الخيار ثلاثة أيام فما دونها ) والأصل فيه ما روي { أن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه كان يغبن في البياعات ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام }" ( ولا يجوز أكثر منها عند أبي حنيفة ) رضي الله عنه ، وهو قول زفر والشافعي رضي الله عنهما . [ ص: 432 - 434 ]

( وقالا : يجوز إذا سمى مدة معلومة لحديث ابن عمر رضي الله عنه أنه أجاز الخيار إلى شهرين ) ولأن الخيار إنما شرع للحاجة إلى التروي ليندفع الغبن وقد تمس الحاجة إلى الأكثر فصار كالتأجيل في الثمن ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه : أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد وهو اللزوم ، وإنما جوزناه بخلاف القياس لما رويناه من النص فيقتصر على المدة المذكورة فيه وانتفت الزيادة ( إلا أنه إذا أجاز في الثلاث جاز عند أبي حنيفة ) رضي الله عنه خلافا لزفر ، هو يقول : إنه انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا ، وله أنه أسقط المفسد قبل تقرره فيعود [ ص: 435 ] جائزا كما إذا باع بالرقم وأعلمه في المجلس ، ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع ، فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد ، ولهذا قيل إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع ، وقيل ينعقد فاسدا ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط ، وهذا على الوجه الأول


باب خيار الشرط

الحديث الأول : روي { أن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري كان يغبن في البياعات ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل : لا خلابة ، ولي الخيار ثلاثة أيام }" ; قلت : رواه [ ص: 432 ] الحاكم في " المستدرك " من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا ، وكان قد سفع في رأسه مأمومة ، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثة أيام فيما اشتراه ، وكان قد ثقل لسانه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بع ، وقل : لا خلابة ، فكنت أسمعه يقول : لا خلابة ، لا خلابة ، وكان يشتري الشيء ويجيء به إلى أهله فيقولون له : إن هذا غال ، فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرني في بيعي }انتهى . وسكت عنه ، وكذلك رواه الشافعي أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق به ; ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، ثم قال : قال الشافعي : والأصل في البيع بالخيار أن يكون فاسدا ، ولكن لما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصراة خيار ثلاث في البيع ، وروي عنه أنه جعل لحبان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع ، انتهينا إلى ما قال صلى الله عليه وسلم ; وأخرجه البيهقي في " سننه " عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، قال : سمعت { رجلا من الأنصار يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يغبن في البيوع ، فقال عليه السلام : إذا بايعت فقل : لا خلابة ، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فاردد } ، وقال ابن إسحاق : فحدثت به محمد بن يحيى بن حبان ، قال : كان جدي منقذ بن عمرو قد أصيب في رأسه ، فكان يغبن في البيع ، ثم ذكر نحوه ، وأخرج ابن ماجه في " سننه " رواية محمد بن يحيى بانفرادها في " باب الحجر من أبواب الأحكام " عن ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : هو جدي { منقذ بن عمرو ، وكان رجلا قد أصابته آمة في رأسه ، فكسرت لسانه ، وكان لا يدع على ذلك التجارة ، فكان لا يزال يغبن ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : إذا أنت بايعت ، فقل : لا خلابة ، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فارددها على صاحبها }انتهى . وهي مرسلة ، وجهل من عزاه لأبي داود ، وأبو داود لم يذكره في " سننه " ، ولا في " مراسيله " ، ولم يعزه شيخنا أبو الحجاج المزي في " أطرافه " إلا لابن ماجه ، والله أعلم ; ورواه الدارقطني في " سننه " . كذلك ; وزاد قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن يحيى بن حبان ، قال : ما علمت ابن الزبير جعل العهدة ثلاثا إلا كذلك انتهى .

ورواه البخاري في " تاريخه الأوسط " فقال : حدثنا عياش بن الوليد ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن [ ص: 433 ] حبان قال : كان جدي { منقذ بن عمرو أصابته آمة في رأسه ، فكسرت لسانه ، ونازعت عقله ، وكان لا يدع التجارة ، فلا يزال يغبن ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا بعت فقل : لا خلابة ، وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال ، وعاش مائة وثلاثين سنة ، فكان في زمن عثمان يبتاع في السوق ، فيصير إلى أهله فيلومونه ، فيرده ، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا ، فيمر الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : صدق }انتهى .

ذكره في " ترجمة منقذ " ، وذكره في " تاريخه الكبير " فلم يصل سنده به ، فقال : قال عياش بن الوليد : ثنا عبد الأعلى به ، سواء ، وذهل ابن القطان في " كتابه " فأنكر على عبد الحق حين عزاه إلى " تاريخ البخاري " ، وقال : إن البخاري لم يصل سنده به ، ثم أنكر عليه كونه لم يعله بابن إسحاق ، وكان ابن القطان لم يقف على " تاريخ البخاري الأوسط " ، وابن إسحاق الأكثر على توثيقه ، وممن وثقه البخاري ، والله أعلم ; ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في باب الرد على أبي حنيفة " حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن عمرو : قل : لا خلابة ، إذا بعت بيعا ، فأنت بالخيار ثلاثا }انتهى . طرق أخرى للحديث مسندة :

قال الطبراني في " معجمه الأوسط " : حدثنا أحمد بن رشدين ثنا يحيى بن بكير ثنا ابن لهيعة حدثني حبان بن واسع { عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه كلم عمر بن الخطاب في البيوع ، فقال عمر : ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ إنه كان ضرير البصر ، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدة ثلاثة أيام فيما اشترى ، فإن رضي أخذ ، وإن سخط ترك }انتهى .

وقال : لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد ، تفرد به ابن لهيعة انتهى .

وأخرجه الدارقطني في " سننه " كذلك عن ابن لهيعة به ، وتلحق هذه الرواية بالأولى .

واعلم أن الحديث في " السنن الأربعة " من رواية أنس ، ليس فيه ذكر الخيار ، أخرجوه عن سعيد عن قتادة عن أنس { أن رجلا كان في عقدته ضعف ، وكان يبايع ، وأن أهله أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله احجر عليه ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع ، فقال : يا رسول الله لا أصبر على البيع ، فقال : إذا بايعت فقل : لا خلابة }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح انتهى . [ ص: 434 ] أحاديث الباب :

روى عبد الرزاق في " مصنفه " من حديث أبان بن أبي عياش عن أنس { أن رجلا اشترى من رجل بعيرا ، واشترط عليه الخيار أربعة أيام ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع ، وقال : الخيار ثلاثة أيام }انتهى .

وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة عبد الرزاق ، وأعله بأبان بن أبي عياش ، وقال : إنه لا يحتج بحديثه مع أنه كان رجلا صالحا انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أحمد بن عبد الله بن ميسرة ثنا أبو علقمة الفروي ثنا نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الخيار ثلاثة أيام }انتهى ، وأحمد بن عبد الله بن ميسرة إن كان هو الحراني الغنوي ، فهو متروك ، والله أعلم . واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " لأصحابنا في اشتراط الثلاث بحديث ابن عمر هذا ، ثم بحديث حبان المتقدم ، وأجاب عن حديث ابن عمر بأن فيه أحمد بن عبد الله بن ميسرة ، وقد ضعفه الدارقطني ، وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به .

وعن حديث حبان بأنه خاص به ، قال : ثم التقدير بالثلاث خرج مخرج الغالب ، لأن النظر يحصل فيها غالبا ، وهذا لا يمنع من الزيادة عند الحاجة ، كما قدرت حجارة الاستنجاء بالثلاث ، ثم تجب الزيادة عند الحاجة انتهى .

قوله : روي عن ابن عمر أنه أجاز الخيار إلى شهرين ; قلت : غريب جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية